تضيف الآية : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) الضّمير في هاتين الجملتين يعود على داود الفاتح في هذه الحرب ، وعلى الرّغم من أنّ الآية لا تقول أنّ داود هذا هو داود النبي والد سليمان عليهماالسلام ولكنّ جملة (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) تدلّ على أنّه وصل إلى مقام النبوّة ، لأنّ هذا ممّا يوصف به الأنبياء عادة ، ففي الآية ٢٠ من سورة ص نقرأ عن داود (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) كما أنّ الأحاديث الواردة في ذيل هذه الآية تشير إلى أنّه كان داود النبي نفسه.
وهذه العبارة يمكن أن تكون إشارة إلى العلم الإداري وتدبير البلاد وصنع الدّروع ووسائل الحرب وأمثال ذلك حيث كان داود عليهالسلام يحتاج إليها في حكومته العظيمة ، لأنّ الله تعالى لا يعطي منصبا ومقاما لأحد العباد إلّا ويؤتيه أيضا الاستعداد الكامل والقابليّة اللّازمة لذلك.
وفي ختام الآية إشارة إلى قانون كلّي فتقول : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).
فالله سبحانه وتعالى رحيم بالعباد ولذلك يمنع من تشرّي الفساد وسرايته إلى المجتمع البشري قاطبة.
وصحيح أنّ سنّة الله تعالى في هذه الدنيا تقوم على أصل الحريّة والإرادة والإختيار وأنّ الإنسان حرّ في اختيار طريق الخير أو الشر ، ولكن عند ما يتعرّض العالم إلى الفساد والاندثار بسبب طغيان الطواغيت ، فإنّ الله تعالى يبعث من عباده المخلصين من يقف أمام هذا الطغيان ويكسر شوكتهم ، وهذه من ألطاف الله تعالى على عباده. وشبيه هذا المعنى ورد في آية ٤٠ من سورة الحج (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) ....
وهذه الآيات في الحقيقة بشارة للمؤمنين الّذين يقفون في مواقع إماميّة من مواجهة الطّواغيت والجبابرة فينتظرون نصرة الله لهم.