الذين يقولون إننا نعبد الأوثان لتكون شفعاءنا عند الله كما ورد في الآية ٣ من سورة الزمر (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (١).
وهذه الآية من نوع الاستفهام الاستنكاري ، أي ما من أحد يتقدّم بشفاعة إليه بإذنه. هذه الآية تكمل في الواقع معنى قيّومية الله ومالكيّته المطلقة لجميع ما في عالم الوجود. أي أننا إذا رأينا أحدا يشفع عند الله ، فليس معنى ذلك أنّه يملك شيئا وأنّ له تأثيرا مستقلّا،بل أنّ مقامه في الشفاعة هبة من الله. ولمّا كانت شفاعته بإذن الله ، فإنّ هذا بذاته دليل آخر على قيّومية الله ومالكيّته.
بحث
الشفاعة ليست محسوبية :
«الشفاعة» (٢) هي العون الذي يقدّمه قويّ لضعيف لكي يساعده على اجتياز مراحل تكامله بسهولة ونجاح.
إلّا أنّ الكلمة تستعمل عادة في التوسّط لغفران الذنوب. غير أنّ مفهوم الشفاعة أوسع من ذلك وتشمل جميع العوامل والدوافع والأسباب في عالم الوجود ، على سبيل المثال التربة والماء والهواء وأشعة الشمس هي العوامل الأربعة التي تشفع لبذرة النبات وتعينها على الوصول إلى مرحلة النضج لتصبح شجرة أو نبتة متكاملة. ولو نظرنا إلى الشفاعة في الآية الكريمة بهذا المعنى الواسع أدركنا أنّ وجود العوامل والأسباب المختلفة لا يحدّد مالكيّة الله المطلقة ولا يقلّل منها ، لأنّ تأثير هذه العوامل كافّة لا يكون إلّا بإذن الله وأمره ، وهذا أيضا
__________________
(١) وردت «ما» في جملة (ما في السموات وما في الأرض) للموجودات غير العاقلة ، ومع أن الموجودات العاقلة أيضا مملوكة لله سبحانه جاءت «ما» للتغليب لأن الغلبة الأكثرية للموجودات غير العاقلة.
(٢) تحدّثنا عن الشفاعة في المجلد الأول الآية (٤٨) من سورة البقرة بصورة مفصلة.