إنّما هو قبس من علمه تعالى ، فلذلك يكون علم الشفعاء محدودا بإزاء علمه تعالى ، فلا حظّ لهم من العلم إلّا بمقدار ما يريد الله تعالى لهم.
ومن هذه الفقرة من الآية يستفاد أمرين :
الأول : أنّه لا أحد يعلم شيئا بذاته ، فجميع العلوم والمعارف البشريّة إنّما هي من الله تعالى ، فهو الذي يزيح الستار عن حقائق الخلقة واسرار الطبيعة ويضع معلومات جديدة في متناول البشر فيوسّع من أفق معرفتهم.
والآخر : هو أنّ الله تعالى قد يضع بعض العلوم الغيبيّة في متناول من يشاء من عباده فيطلعهم على ما يشاء من أسرار الغيب ، وهذا رد على من يعتقد أنّ علم الغيب غير متاح للبشر ، وهو تفسير أيضا للآيات التي تنفي علم الغيب عن البشر (وسيأتي أن شاء الله مزيد من الشرح لهذا الموضوع في مكانه عند تفسير الآيات الخاصّة بالغيب كالآية ٢٦ من سورة الجن).
وجملة (لا يُحِيطُونَ) إشارة لطيفة إلى حقيقة العلم وأنّه نوع من الإحاطة.
وفي تاسع وعاشر صفة إلهيّة تقول الآية : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما).
وفي الصفة الحادية عشر والثانية عشر تقول الآية : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
* * *
بحوث
الأوّل : المراد من العرش والكرسيّ
(الكرسي) من «كرس» بوزن إرث ، ومعناه أصل الشيء وأساسه ، كما يطلق على كلّ شيء متجمّع ومترابط ، ولهذا يطلق على المقعد الواطئ المتعارف عليه للجلوس،ويقابله «العرش» الذي يعني السقف ، أو الشيء ذا السقف ، أو الكرسي ذا