مكان معين ، ولهذا فهو أقرب إلينا من كلّ شيء حتّى من أنفسنا ، وفي نفس الوقت الذي يتنزّه فيه الله تعالى عن المكان والمحل ، فإنّه محيط بكل شيء ، وهذه الإحاطة والحضور الإلهي بالنسبة لجميع المخلوقات بمعنى (العلم الحضوري) لا (العلم الحصولي) (١).
ثمّ تبيّن الآية التالية واحدة من علم وقدرة الله تعالى الرائعة ، بل هي في الحقيقة إحدى روائع عالم الخلقة ومظهر بارز لعلم الله وقدرته المطلقة حيث تقول الآية (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) ثمّ تضيف (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
إنّه لأمر عجيب ومحيّر حقّا أن يصوّر الله الإنسان وهو في رحم أمّه صورا جميلة ومتنوّعة في أشكالها ومواهبها وصفاتها وغرائزها.
وهذه الآية تؤكّد أنّ المعبود الحقيقي ليس سوى الله القادر الحكيم الذي يستحقّ العبادة ، فلما ذا إذن يختارون مخلوقات كالمسيح عليهالسلام ويعبدونها ، ولعلّ هذه العبارة إشارة إلى سبب النزول المتقدّم في بداية السورة من أنّ المسيحيّين أنفسهم يوافقون على أنّ المسيح كان جنينا في بطن أمّه مريم ، ثمّ تولّد منها ، إذن فهو مخلوق وليس بخالق فكيف يكون معبودا؟!
* * *
بحوث
١ ـ مراحل تطوّر الجنين من روائع الخلق
إنّ عظمة مفهوم هذه الآية تجلّت اليوم أكثر من ذي قبل نتيجة للتقدّم الكبير
__________________
(١) العلم الحضوري : يعني أن يكون المعلوم ذاته حاضرا عند العلم. أمّا في العلم الحصولي فإنّ الحاضر عند العالم هو صورة المعلوم ورسمه ، فمثلا أنّ علمي بنفسي علم حضوري لأنّ نفسي ذاتها حاضرة في نفسي ، أمّا بالنسبة للموجودات الأخرى فعلمنا بها حصولي ، لأنّ صورتها فقط هي الحاضرة في أذهاننا.