جملة (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ناظرة إلى حادثة (الحديبيّة) الواقعة في السنّة السادسة للهجرة حيث منع المسلمون من زيارة بيت الله الحرام (١).
ففي هذه الآية ذكرت أحكام كثيرة :
١ ـ في مطلع الآية تأكيدا على أنّ أعمال العمرة والحجّ ينبغي أن تكون لله وطلب مرضاته فقط (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) من هنا لا ينبغي أن يشوب أعمال الحجّ نيّة اخرى غير الدافع الإلهي وكذلك الإتيان بالعمل العبادي هذا كاملا وتامّا بمقتضى جملة (وَأَتِمُّوا).
٢ ـ ثمّ أنّ الآية تشير إلى الأشخاص الّذين لا يحالفهم التوفيق لأداء مناسك الحجّ والعمرة بعد لبس ثياب الإحرام بسبب المرض الشديد أو خوف العدو وأمثال ذلك ، فتقول (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فمثل هذا الشخص عليه أن يذبح ما تيّسر له من الهدي ويخرج بذلك من إحرامه (٢).
وعلى كلّ حال فإنّ الأشخاص الّذين منعهم مانع ولم يتمكنّوا من أداء مراسم الحجّ والعمرة فيمكنهم بالاستفادة من هذه المسألة أن يحلّوا من إحرامهم.
ونعلم أيضا أنّ الهدي يمكن أن يكون بعيرا أو بقرة أو خروفا ، وهذا الأخير أقلّ الهدي مؤنة ، ولهذا كانت جملة (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) تشير غالبا إلى الغنم.
٣ ـ ثمّ أنّ الآية الشريفة تشير إلى أمر آخر من مناسك الحجّ فتقول : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ).
فهل أنّ هذا الأمر يتعلّق بالأشخاص المحصورين الممنوعين من أداء مراسم
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ، ج ١ ، ص ٢٧٧.
(٢) ذكر احتمالان في تفسير الآية ، أحدهما أن «ما» في «ما استيسر» مبتدأ ، وخبرها محذوف بتقدير «عليكم» فتكون الجملة «فعليكم ما استيسر من الهدي» والثاني أن «ما» مفعول لفعل مقدّر تقديره : «فاهدوا ما استيسر من الهدي».