وثالثا : إذا كان القصد هو أنّ الراسخين في العلم يسلّمون لما لا يعرفونه ، لكان الأولى أن يقال : والراسخون في الإيمان يقولون آمنّا به. لأنّ الرسوخ في العلم يتناسب مع العلم بتأويل القرآن ، ولا يتناسب مع عدم العلم به والتسليم له.
ورابعا : أنّ الأحاديث الكثيرة التي تفسّر هذه الآية تؤكّد كلّها أنّ الراسخين في العلم يعلمون تأويله ، وعليه فيجب أن تكون معطوفة على «الله». الشيء الوحيد الباقي هو إنّ خطبة «الأشباح» للإمام علي عليهالسلام في نهج البلاغة يستفاد منها أنّ الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل الآيات ويعترفون بعجزهم.
«وأعلم أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب الحجوب»(١).
ولكن فضلا عن كون هذه العبارة تناقض بعض الأحاديث المنقولة عنه عليهالسلام التي قال فيها : إنّ الراسخين في العلم معطوفة على «الله» وإنّهم عالمون بتأويل القرآن ، فإنّها لا تنسجم أيضا مع الأدلّة التي سبق ذكرها (٢). وعليه فيلزم تفسير هذه الجملة من خطبه «الأشباح» بما يتّفق والأساتيد الأخرى التي بين أيدينا.
٦ ـ نتيجة الكلام في تفسير الآية
من كلّ ما مرّ قوله تفسيرا لهذه الآية نستنتج أنّ آيات القرآن قسمان : قسم معانيها واضحة جدّا بحيث لا يمكن إنكارها ولا إساءة تأويلها وتفسيرها ، وهذه هي الآيات «المحكمات». وقسم آخر مواضيعها رفيعة المستوى ، أو أنّها تدور حول عوالم بعيدة عن متناول أيدينا ، كعلم الغيب ، وعالم يوم القيامة ، وصفات الله ، بحيث إنّ معرفة معانيها النهائية وإدراك كنه أسرارها يستلزم مستوى عاليا من
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة ٩١.
(٢) انظر تفسير نور الثقلين : ج ١ ص ٣١٥.