التّفسير
معركة بدر والتأييد الإلهي :
تعقيبا على الآيات السابقة التي حذّر القرآن فيها الكافرين من الاغترار بالمال والأبناء والأتباع ، جاءت هذه الآية شاهدا حيّا على هذا الأمر ، فتدعوهم إلى الاعتبار بما جرى في معركة بدر التاريخية.
(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا).
كيف لا تكون لهم عبرة ، وهم يرون أنّ جيشا صغيرا لا يملك شيئا من العدّة ، سوى الإيمان الراسخ ، ينتصر على جيش يفوقه أضعافا في العدد والعدّة. فلو كان المال والعدد ـ بغير إيمان ـ قادرين على شيء لظهر مفعولهما في معركة بدر ، ولكن النتيجة كانت معكوسة.
(يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ).
تقول الآية : إنّ الكفّار كانوا يرون جند المسلمين ضعف عددهم. أي أنّهم إذا كانوا ٣١٣ شخصا كان الكفّار يرونهم أكثر من ٦٠٠ شخص (١). ليزيد من خوفهم ، وكان هذا أحد أسباب هزيمة الكفّار.
وهذا ـ فضلا عن كونه إمدادا غيبيا من الله انتصر به المسلمون ، لأنّ الله يمدّ عباده المجاهدين المؤمنين بمختلف السبل ـ كان أمرا طبيعيا من حيث جانبه الظاهري ، وذلك لأنّ الضربات الشديدة التي أنزلها المسلمون ـ بقوة إيمانهم وتربيتهم الإسلامية ـ على الأعداء ، أثارت فيهم الرعب والهلع فظنّوا أنّ هناك قوّة
__________________
(١) هذا التفسير يعتمد على إرجاع الضمير في «يرون» إلى الكفّار ، والضمير «هم» إلى المسلمين. وهذا أوضح التفاسير العديدة للآية.
وسنشرح معركة بدر شرحا وافيا عند تفسير الآيات ٤١ ـ ٤٥ من سورة الأنفال.