بحوث
١ ـ التقية أو الدرع الواقي
صحيح أنّ الإنسان قد يضحّي حتّى بحياته من أجل هدف كبير ولصيانة الشرف ونصرة الحقّ وقمع الباطل ، ولكن هل يجيز عاقل لنفسه أن تتعرّض للخطر دون أن يكون أمامه هدف هام؟
الإسلام يجيز الإنسان صراحة أن يمتنع عن إعلان الحقّ مؤقّتا وأن يؤدّي واجبه في الخفاء حين يعرضه ذلك لخطر في النفس والمال والعرض وحين لا يكون للإعلان نتيجه مهمّة وفائدة كبيرة. كما جاء في هذه الآية ، وكما جاء في الآية ١٠٦ من سورة النحل حيث يقول: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
إن كتب التاريخ والحديث الإسلامي ما زالت تحفظ حكاية «عمّار» وأبيه وأمّه إذ وقعوا في قبضة عبدة الأصنام الذين راحوا يعذّبونهم لكي يرتدّوا عن الإسلام. فرفض والدا عمّار ذلك فقتلهما المشركون. غير أنّ عمّارا قال بلسانه ما أرادوا أن يقوله ، ثمّ هرع باكيا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خوفا من الله ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن عادوا لك فعد لهم»
أي إذا قبضوا عليك مرّة أخرى وطلبوا منك أن تقول شيئا فقله ، وبهذا هدأ روعه وزال عنه خوفه.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حكم التقية يختلف باختلاف الظروف ، فهي قد تكون واجبة ، وقد تكون حراما ، وقد تكون مباحة.
تجب التقية حيثما تتعرّض حياة الإنسان للخطر دونما فائدة تذكر. أمّا إذا كانت التقية سببا في ترويج الباطل وضلالة الناس وإسناد الظالم فهي هنا حرام.
وهذا جواب لجميع الاعتراضات التي ترد بهذا الشأن. لو أنّ المعترضين دقّقوا في البحث لأدركوا أنّ الشيعة ليسوا منفردين بهذا الاعتقاد ، بل أنّ التقية في موضعها حكم عقلي قاطع ويتّفق مع الفطرة الإنسانية.