فجميع عقلاء العالم ـ حين يرون أنفسهم أمام طريقين : إمّا الإعلان عن عقيدتهم والمخاطرة بالنفس والمال والكرامة ، أو إخفاء معتقداتهم ـ يمعنون النظر في الظروف القائمة. فإن كان الإعلان عن العقيدة يستحقّ كلّ هذه التضحية بالنفس والمال والكرامة اعتبروا إعلانها عملا صحيحا ، وإن لم يكن للإعلان نتيجة تذكر تركوا ذلك.
٢ ـ التقية أو تغيير أسلوب النضال :
في تاريخ النضالات الدينية والاجتماعية والسياسية حالات إذا أراد فيها المدافعون عن الحقّ أن يناضلوا علانية ، فإنّهم يتعرّضون للإبادة هم ومبادؤهم أو يواجهون الخطر على الأقلّ ، مثل الحالة التي مرّ بها شيعة علي عليهالسلام على عهد بني أميّة. في مثل هذه الحالة يكون الطريق الصحيح والمعقول هو أن لا يبدّدوا قواهم ، وأن يواصلوا نضالهم غير المباشر في الخفاء. التقية في مثل هذه الحالات أشبه بتغيير أسلوب النضال الذي يجنّبهم الفناء ويحقّق لهم النصر في الكفاح. إنّ الذين يرفضون التقية كلّية ويفتون ببطلانها لا ندري ما الذي يقترحونه في مثل هذه الحالات؟ أيرون الفناء خيرا ، أم استمرار النضال بشكل صحيح ومنطقي؟ هذا الطريق الثاني هو التقية ، وأمّا الطريق الأوّل فليس بمقدور أحد أن يجيزه.
ويتضح ممّا تقدّم أن التقية هي أصل قرآني مسلّم ، ولكنّها تكون مشروعة في موارد معينة ووفق ضوابط خاصّة. وما نرى من بعض الجهلاء أنّهم تصوّروا أن التقية من اختلاقات أتباع أهل البيت عليهمالسلام فهو دليل على عدم اطلاعهم على القرآن بصورة كافية.
* * *