ولمّا لم يكن من الممكن أن يولد نبيّ في رحم غير طاهرة ، فإنّه يؤكد بهذا الإعجاز طهارة أمّه.
«المهد» هو كلّ مكان يعدّ لنوم المولود حديثا ، سواء أكان متحرّكا أم ثابتا والظاهر من آيات سورة مريم أنه عليهالسلام تكلّم منذ بداية تولده ممّا يستحيل على كلّ طفل أن يقوم به في هذا العمر عادة ، وبهذا كان كلامه في المهد معجزة كبيرة. ولكن الكلام في مرحلة الكهولة (١). امر عادي. ولعلّ ذكره في الآية أعلاه مقارنا للحديث في المهد إشارة أن كلامه في المهد مثل كلامه في الكهولة والكمال لم يجانب الصواب والحقّ والحكم.
وتشير الآية كذلك إلى أنّ المسيح لا ينطق إلّا بالحقّ منذ ولادته حتّى كهولته ، وأنّه يواصل الدعوة إلى الله وإرشاد الناس ولا يفتر عن ذلك لحظة واحدة.
ولعلّ إيراد هذا التعبير عن المسيح ضرب من التنّبؤ بعودة المسيح إلى الدنيا ، إذ أنّنا نعلم من كتب التاريخ أنّ عيسى عليهالسلام قد رفع من بين الناس إلى السماء وهو في الثالثة والثلاثين من عمره. وهذا يتّفق مع كثير من الأحاديث الواردة عن عودة المسيح في عهد الإمام المهدي عليهالسلام ويعيش معه بين الناس ويؤيّده.
وبعد ذكر مناقب المسيح المختلفة يضيف إليها (وَمِنَ الصَّالِحِينَ). ومن هذا يتّضح أنّ الصلاح من أعظم دواعي الفخر والاعتزاز ، وتنضمّ تحت لوائه القيم الإنسانية الأخرى.
* * *
__________________
(١) «الكهولة» هي متوسط العمر ، وقيل إنّها الفترة ما بين السنة الرابعة والثلاثين حتّى الحادية والخمسين ، وما قبلها «شاب» وما بعدها «شيخ».