إنّ قضية إحياء الموتى التدريجي بإذن الله ليست عويصة ، لأنّنا نعلم أنّ جميع الكائنات الحيّة مخلوقة من التراب والماء ، إلّا أنّ المعجزة في أن هذا الخلق الذي تحقّق على امتداد سنوات طويلة. فما الذي يمنع من أن يكثّف الله تلك العوامل والأسباب بحيث تتمّ مراحل الخلق بسرعة فائقة ، ويتحوّل الطين إلى كائن حي؟ بديهيّ أنّ تحقّق هذا الأمر في ذلك المحيط ، وفي أي محيط آخر ، سند حيّ؟ ودليل واضح على علاقة صاحب المعجزة بعالم ما وراء الطبيعية ، وعلى قدرة الله اللامتناهية.
ثمّ تشير إلى معالجة الأمراض الصعبة العلاج أو التي لا علاج لها ، وتقول على لسانه:(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) (١) (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ). لا شكّ أنّ القيام بكلّ هذه الأعمال وخاصّة لدى علماء الطبّ في ذلك الزمان كان من المعجزات التي لا يمكن إنكارها.
بعد ذلك تشير إلى إخباره عن أسرار الناس الخافية ، فلكلّ امرئ في حياته بعض الأسرار التي لا يعرف الآخرون شيئا عنها. فإذا جاء من يخبرهم بما أكلوه ، أو ما ادّخروه ، فهذا يعني أنّه يستقي معلوماته من مصدر غيبي : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) وأخيرا يقول إنّ هذه كلّها دلائل صادقة للذين يؤمنون منكم : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
* * *
بحوث
١ ـ أكانت معجزات المسيح عجيبة؟
يصرّ بعض المفسّرين ـ مثل صاحب المنار ـ على تأويل المعجزات التي ذكرها القرآن للمسيح بشكل من الأشكال. من ذلك قولهم إنّ المسيح اكتفى بمجرّد
__________________
(١) «أكمه» قيل أنه يعني أعمى ، وذهب بعض إلى أنه العشو الليلي ، ولكن اغلب المفسّرين وأرباب اللغة ذهبوا إلى أنه يعني الأعمى منذ الولادة. وبعض ذهب إلى أكثر من ذلك بأن المراد هو عدم وجود أصل العين.