هؤلاء قد رجعوا إلى كتبهم السماوية التي هم أعلم منّا بها ، إذا لا بدّ أن يكون ما يقولونه صحيحا. وبهذا تتزعزع عقيدتهم.
هناك سبب نزول آخر ، إلّا أنّ ما ذكرناه أقرب إلى معنى الآية.
التّفسير
مؤامرة خطيرة :
تكشف هذه الآية عن خطّة هدّامة أخرى من خطط اليهود ، وتقول إنّ هؤلاء لكي يزلزلوا بنية الإيمان الإسلامي توسّلوا بكلّ وسيلة ممكنة. من ذلك أنّ (طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) اتّفقوا أن يؤمنوا بما أنزل على المسلمين في أوّل النهار ويرتدّوا عنه في آخره (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ).
لعلّ المقصود من أوّل النهار وآخره قصر المدة بين إيمانهم وارتدادهم ، سواء أكان ذلك في أوّل النهار حقّا أم في أيّ وقت آخر. إنّما قصر هذه المدّة يوحي إلى الآخرين أن يظنّوا أنّ هؤلاء كانوا يرون الإسلام شيئا عظيما قبل الدخول فيه ، ولكنّهم بعد أن أسلموا وجدوه شيئا آخر قد خيّب آمالهم ، فارتدّوا عنه.
لا شكّ أن مثل هذه المؤامرة كانت ستؤثّر في نفوس ضعفاء الإيمان ، خاصّة وأنّ أولئك اليهود كانوا من الأحبار العلماء ، وكان الجميع يعرفون عنهم أنّهم عالمون بالكتب السماوية وبعلائم خاتم الأنبياء. فإيمانهم ثمّ كفرهم كان قادرا على أن يزلزل إيمان المسلمين الجديد. لذلك كانوا يعتمدون كثيرا على خطّتهم الماهرة هذه ، وقوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) دليل على أملهم هذا.
وكانت خطّتهم تقتضي أن يكون إيمانهم بالإسلام ظاهريا ، وأن يبقى ارتباطهم باتّباع دينهم.