يجادلكم يوم القيامة أمام الله ويدينكم ، لأنكم خير عنصر وقوم في العالم ، وأنتم أصحاب النبوّة والعقل والعلم والمنطق والاستدلال!».
بهذا المنطق الواهي كان اليهود يسعون لنيل ميزة يتميّزون بها ، من حيث علاقتهم بالله، ومن حيث العلم والمنطق والاستدلال ، على الأقوام الأخرى. لذلك يردّهم الله في الآية التالية بقوله : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).
أي : قل لهم إنّ المواهب والنعم ، سواء أكانت النبوّة والاستدلالات العقلية المنطقية ، أم المفاخر الأخرى ، هي جميعا من الله ، يسبغها على من يشاء من المؤهّلين اللائقين الجديرين بها. إنّ أحدا لم يأخذ عليه عهدا ووعدا ، ولا لأحد قرابة معه. إنّ جوده وعفوه واسعان ، وهو عليم بمن يستحقّهما.
(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١).
هذا توكيد لما سبق أيضا : إنّ الله يخصّ من عباده من يراه جديرا برحمته ـ بما في ذلك مقام النبوّة والقيادة ـ دون أن يستطيع أحد تحديده فهو صاحب الأفضال والنعم العظيمة.
ويستفاد ضمنا من هذه الآية الكريمة أن الفضل الإلهي إذا شمل بعض الناس دون بعض ، فليس ذلك المحدودية الفضل الإلهي ، بل بسبب تفاوت القابليات فيهم.
* * *
خطط قديمة
تعتبر هذه الآيات ، في الواقع ، من آيات إعجاز القرآن ، لأنّها تكشف أسرار
__________________
(١) «فضل» بمعنى كلّ شيء زاد عن المقدار اللازم من المواهب والنعم ، وهو معنى إيجابي وممدوح. ولكن تارة يستبطن معنى مذموما وسلبيا ، وذلك عند ما يأتي بمعنى الخروج عن حدّ الاعتدال. والميل إلى الإفراط ، ويأتي غالبا بصيغة (فضول) جمع (فضل) كما في قولهم (فضول الكلام).