تعالى. والحاجّ في هذا الموقف يشعر حقّا بانشداد روحي ومعنوي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات.
الحجيج في هذه الأرض القاحلة متجمّعو بشكل واحد وبزيّ واحد ، قد هربوا من بريق الحياة وزخرفها وصخبها وضجيجها ولا ذوا بهذه الأرض المشرّفة المفعمة بذكريات الرسالات السماوية ، حيث يحمل نسيمها نداء جبرائيل وصوت الخليل ودعوة النبيّ الخاتم ، وصحبه المجاهدين. وتنطق أرضها بصور الجهاد والتضحية والانقطاع إلى الله على مرّ التاريخ. كأنّ هذه الأرض نافذة تشرف على عالم ما وراء الطبيعة ، يرتوي فيها الإنسان من منهل العرفان ، وينساق مع تسبيح الخليقة العام ، بل يعود أيضا إلى ذاته التي انفصل عنها زمنا طويلا فيعرف نفسه ، ويعرف أنّه ليس بذلك الكائن اللاهث ليل نهار وراء جمع الحطام والمتاع دون أن يرويه شيء ، بل إنّه جوهر آخر كان يجهله قبل الوقوف في عرفات ... نعم إنّها «عرفات» وما أجمل هذا الاسم! وما أعمق مدلوله!
٢ ـ المشعر الحرام ـ الموقف الثاني للحجيج
وبشأن تسمية «المشعر الحرام» بهذا الاسم قيل : إنّه مركز لشعائر الحجّ ، ومعلم من معالم هذه العبادة العظيمة.
ومن المهمّ أن نفهم أنّ «المشعر» من مادة «الشعور» ، ففي تلك الليلة التاريخية المثيرة «ليلة العاشر من ذي الحجّة» حيث حجّاج بيت الله الحرام قد أنهوا المرحلة الاولى من هذه الدورة التربوية في عرفات واندفعوا نحو المشعر الحرام ليقضوا ليلة يفترشون فيها الأرض ويلتحفون السماء ، ضمن إطار أرض محدودة الأبعاد أشبه ما تكون ـ وهي تموج بآلاف الحجّاج ـ بأرض المحشر ... في مثل هذه الظروف الزمانية والمكانية ... وفي إطار الالتزام بالإحرام وواجباته