ومحرّماته ، تجيش في النفس الإنسانية «مشاعر» خاصّة تربط الإنسان بالملإ الأعلى وتحلق به في أبعاد جديدة سامية ... ومن هنا كانت تلك الأرض مشعرا.
٣ ـ درس الوحدة والاتحاد
جاء في بعض الروايات الشريفة أن قبائل قريش كانت ترى لنفسها مكانة دينية خاصّة بين العرب ، وكان أفرادها يسمّون أنفسهم «الحمس» (١) ويرون أنّهم أبناء إبراهيم عليهالسلام وسدنة الكعبة ، ولذلك كانوا يترفّعون على بقية القبائل العربية.
ومن هنا فإنهم تركوا الوقوف في عرفات لأنّها خارج الحرم المكّي ، وما كانوا يودّون أن يحترموا أرضا تقع خارج حرم مكّة ، ظنّا منهم أنّ ذلك يقلّل من شأنهم بين قبائل العرب ، مع علمهم بأنّ الوقوف في عرفات من مناسك الحجّ الإبراهيمي (٢).
الآية الكريمة تبطل كلّ هذه الأوهام وتأمر بوقوف الحجّاج جميعا في عرفات ، ثمّ التحرك منها نحو المشعر الحرام ، ومن ثمّ الاتجاه إلى منى دون أن يكون لأحد امتياز على آخر(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ).
الإفاضة التي تأمر بها الآية هي الإفاضة من المشعر الحرام إلى منى ، لأنّها جاءت بعد ذكر الإفاضة من عرفات إلى المشعر ، ومسبوقة بـ «ثمّ» التي تفيد الترتّب الزماني ، ويكون مدلول الآيتين معا الأمر بالوقوف الجماعي بعرفات ، ثمّ الإفاضة منها إلى المشعر الحرام ، ومن ثمّ إلى منى.
(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ).
والأمر بالاستغفار في اختتام الآية حثّ على ترك تلك الأوهام والأفكار
__________________
(١) الحمس : هم الأفراد المتمسّكون بالدين.
(٢) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٢١١ و ٢١٢.