على أنه ليس من شكّ في أن الآية الثانية تعتبر تخصيصا ـ في الحقيقة ـ لمفاد الآية الأولى وتقييدا بالاستطاعة والقدرة ، وحيث أن لفظة النسخ كانت ـ عند القدماء ـ تطلق على التخصيص ، لذلك من الممكن أن يكون المراد من قول القائل بأن الآية الثانية ناسخة للأولى هو كونها مخصصة للأولى لا غير.
ثمّ إنه بعد أن أوصى جميع المؤمنين بملازمة أعلى درجات التقوى انتهت الآية بما يعتبر تحذيرا ـ في حقيقته ـ للأوس والخزرج وغيرهم من المسلمين في العالم ، تحذيرا مفاده : أن مجرد اعتناق الإسلام والانضمام إلى هذا الدين لا يكفي ، إنما المهم أن يحافظ المرء على إسلامه وإيمانه واعتقاده إلى اللحظة الأخيرة من عمره وحياته ، فلا يبدد هذا الإيمان بإشعال الفتن وإثارة نيران البغضاء أو بالانسياق وراء العصبيات الجاهلية الحمقاء ، والضغائن المندثرة فتكون عاقبته الخسران ، وضياع كلّ شيء ولهذا قال سبحانه (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
الدعوة إلى الاتحاد
بعد أن أوصت الآية السابقة كلّ المؤمنين بملازمة أعلى درجات التقوى ومهدت بذلك النفوس وهيأتها ، جاءت «الآية الثانية» تدعوهم بصراحة إلى مسألة الاتحاد، والوقوف في وجه كلّ ممارسات التجزئة وإيجاد الفرقة ، فقال سبحانه في هذه الآية (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).
ولكن ما المقصود من «حبل الله» في هذه الآية؟ فقد ذهب المفسّرون فيه إلى احتمالات مختلفة ، فمنهم من قال بأنه القرآن ، ومنهم من قال : بأنه الإسلام ، ومنهم من قال بأنهم الأئمّة المعصومون من آل الرسول وأهل بيته المطهرين.