وكان هذا هو الأثر الطبيعي للأسلوب اللين في النهي عن المنكر.
* * *
الفرقة بعد الاتحاد من شيم النصارى واليهود :
تقتضي أهمية الوحدة أن يركز القرآن الكريم ويؤكد عليها مرّة بعد أخرى ، ولذا يذكر بأهمية الاتحاد ، ويحذر من تبعات الفرقة والنفاق وآثارها المشؤومة ، بقوله (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ).
إن هذه الآية تحذر المسلمين من أن يتبعوا ـ كالأقوام السابقة مثل اليهود والنصارى ـ سبيل الفرقة والاختلاف بعد أن جاءتهم البينات وتوحدت صفوفهم عليها ، فيكسبوا بذلك العذاب الأليم.
إنه في الحقيقة يدعو المسلمين إلى أن يعتبروا بالماضي ، ويتأملوا في حياة السابقين ، وما آلوا إليه من المصير المؤلم ، بسبب الاختلاف والتشتت.
إنها لفتة تاريخية من شأنها أن توقفنا على ما ينتظر كلّ أمة من سوء العواقب إذا هي سلكت سبيل النفاق ، وتفرقت بعد ما توحدت ، وتشتّتت بعد ما تجمعت.
إن إصرار القرآن الكريم في هذه الآيات على اجتناب الفرقة والنفاق إنما هو تلميح إلى أن هذا الأمر سيقع في المجتمع الإسلامي مستقبلا ، لأن القرآن لم يحذّر من شيء أو يصر على شيء إلّا وكان ذلك إشارة على وقوعه في المستقبل.
ولقد تنبأ الرسول الأكرم بهذه الحقيقة وأخبر المسلمين عنها ، بصراحة إذ قال : «إن أمة موسى افترقت بعده على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت أمة عيسى بعده على اثنتين وسبعين فرقة ، وأن أمتي ستفترق بعدي على ثلاث وسبعين فرقة» (١).
__________________
(١) نقلت هذه الرواية بطرق مختلفة عن الشيعة والسنة وأما كتب الشيعة التي نقلت هذه الرواية فهي :