ذكر أسرار المسلمين عندهم ، وبهذا كان اليهود الذين يتظاهرون بالمودة للمسلمين ـ وهم ألدّ أعداء الإسلام في باطنهم ـ يطلعون على أسرار المسلمين ، فنزلت هذه الآيات تحذر أولئك الرجال من المسلمين من مغبة هذه الصداقات والعلاقات ، وتوصيهم بأن لا يتخذوا اليهود بطانة يسرون إليهم بأسرارهم ، لأنهم لا يتورعون عن استخدام كلّ وسيلة ممكنة ـ حتّى هذه الأسرار ـ لإلحاق الأذى والضرر بكم ، لأنهم يهمهم ـ دائما ـ أن تكونوا في نصب وتعب ومحن ومشاكل ، وعناء وشقاء.
التّفسير
لا تتخذوا الأعداء بطانة :
هذه الآية التي جاءت بعد الآيات السابقة التي تعرضت لمسألة العلاقات بين المسلمين والكفّار ، تشير إلى قضايا حساسة بالغة الأهمية ، وتحذر المؤمنين ـ ضمن تمثيل لطيف ـ بان لا يتخذوا من الذين يفارقونهم في الدين والمسلك أصدقاء يسرون إليهم ويخبرونهم بأسرارهم ، وأن لا يطلعوا الأجانب على ما تحتفظ به صدورهم وما خفي من نواياهم وأفكارهم الخاصّة بهم ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) (١) (مِنْ دُونِكُمْ) ....
وهذا يعني أن الكفّار لا يصلحون لمواصلة المسلمين ومصادقتهم ، كما لا يصلحون بأن يكونوا أصحاب سر لهم ، وذلك لأنهم لا يتورعون عن الكيد والإيقاع بهم ما استطاعوا:(لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) (٢).
__________________
(١) «البطانة» مأخوذة من بطانة الثوب ، وهي الوجه الذي يلي البدن لقربه منه ، ونقيضها «الظهارة» والبطانة في المقام كناية عن خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره ويطلعون على أسراره.
(٢) «الخبال» في الأصل بمعنى ذهاب شيء ، وهي تطلق في الأغلب على الأضرار التي تؤثر على عقل الإنسان وتلحق به الضرر.