المشركين هزموا هزيمة كاملة ، حتّى أن بعض الرماة تركوا مواقعهم في الجبل متجاهلين تذكير قائدهم «عبد الله بن جبير» إياهم بما أوصاهم به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يبق معه إلّا قليل ظلوا يحافظون على تلك الثغرة الخطرة في الجبل محافظة على المسلمين.
فتنبه «خالد بن الوليد» إلى قلة الرماة في ذلك المكان ، فكر راجعا بالخيل (وعددهم مائتا رجل كانوا معه في الكمين) فحملوا على «عبد الله بن جبير» ومن بقي معه من الرماة وقتلوهم بأجمعهم ، ثمّ هجموا على المسلمين من خلفهم.
وفجأة وجد المسلمون أنفسهم وقد أحاط بهم العدو بسيوفهم ، وداخلهم الرعب، فاختل نظامهم ، وأكثر المشركون من قتل المسلمين فاستشهد ـ في هذه الكرة ـ «حمزة» سيد الشهداء وطائفة من أصحاب النبي الشجعان ، وفر بعضهم خوفا ، ولم يبق حول النبي سوى نفر قليل جدا يدافعون عنه ويردون عنه عادية الأعداء ، وكان أكثرهم دفاعا عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ورد الهجمات العدو ، وفداء بنفسه هو «الإمام علي بن أبي طالب» عليهالسلام الذي كان يذب عن النبي الطاهر ببسالة منقطعة النظير ، حتّى أنه تكسر سيفه فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سيفه المسمى بذي الفقار ، ثمّ تترس النبي بمكان ، وبقي علي عليهالسلام يدفع عنه حتّى لحقه ـ حسب ما ذكره المؤرخون ـ ما يزيد عن ستين جراحة في رأسه ووجهه ، ويديه وكلّ جسمه المبارك ، وفي هذه اللحظة قال جبرائيل «إن هذه لهي المواساة يا محمّد» فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم «إنه مني وأنا منه» فقال جبرائيل : «وأنا منكما».
قال الإمام الصادق عليهالسلام : نظر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى جبرائيل بين السماء والأرض وهو يقول : «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي» (١). وفي هذه اللحظة صاح صائح: قتل محمّد.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان المجلد الأول الصفحة ٤٩٧.