لأجل أن الإنسان لا يعرف شيئا أوسع من السماوات والأرض ليقيس به سعة الجنة ، ولهذا يصور القرآن عظمة الجنة وسعتها وعرضها بأنها كعرض السماوات والأرض ، ولم يكن بد من هذا ، فكما لو أننا أردنا أن نصور للجنين ـ فيما لو عقل ـ حجم الدنيا التي سينزل إليها ، لم يكن لنا مناص من التحدث إليه بالمنطق الذي يدركه وهو في ذلك المحيط.
ثمّ إنه تبين من ما مرّ الجواب على السؤال الآخر ، وهو إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار؟
لأنه حسب الجواب الأول يتضح أن النار هي الأخرى تقع في باطن هذا العالم ، ولا ينافي وجودها فيه وجود الجنة فيه أيضا (كما تبين من مثال جهازي الإرسال).
وأما حسب الجواب الثاني (وهو كون عالم الجنة والنار محيطا بهذا العالم الذي نعيش فيه) فيكون الجواب على هذا السؤال أوضح لأنه يمكن أن تكون النار محيطة بهذا العالم ، وتكون الجنة محيطة بها فتكون النتيجة أن تكون الجنة أوسع من النار.
سيماء المتقين :
لما صرّح في الآية السابقة بأن الجنة أعدت للمتقين ، تعرضت الآية التالية لذكر مواصفات المتقين فذكرت خمسا من صفاتهم الإنسانية السامية هي :
١ ـ إنّهم ينفقون أموالهم في جميع الأحوال ، في الشدّة والرخاء ، في السرّاء والضرّاء (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ).
وهم بهذا العمل يثبتون روح التعاطف مع الآخرين ، وحب الخير الذي تغلغل في نفوسهم ، ولهذا فهم يقدمون على هذا العمل الصالح والخطوة الإنسانية