الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها * وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) أي أن ما عمله الإنسان لا يضيع أبدا ، فإن كان هدفه دنيويا ماديا كما كان عليه بعض المقاتلين في «أحد» فإنه سيحصل على ما يسعى إليه ويناله.
وأما إذا كان هدفه أسمى من ذلك ، وصب جهوده في سبيل الحصول على الحياة الخالدة والفضائل الإنسانية بلغ إلى هدفه حتما وأوتي ثواب الآخرة الذي هو أعظم من كلّ ثواب وأسمى من كلّ نتيجة ، فلما ذا إذن لا يصرف الإنسان جهوده ، ويوظف ما أوتي من طاقات معنوية ومادية في الطريق الثاني وهو الطريق الخالد السامي؟
وتأكيدا لهذه الحقيقة قال سبحانه : مرة أخرى (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).
والجدير بالتأمل أن الفعل في هذه العبارة جاء في الآية السابقة ، بصيغة الغائب (سَيَجْزِي) وجاء هنا في صورة المتكلم «سنجزي» وهذا يفيد غاية التأكيد للوعد الإلهي بإعطاء الثواب لهم ، فهو تدرج من الوعد العادي إلى الوعد المؤكد ، فكأنّ الله يريد أن يقول ـ وببساطة ـ أنا ضامن لجزائهم وثوابهم.
ثمّ إنه جاء في تفسير «مجمع البيان» في ذيل هذه الآية عن الإمام الباقر عليهالسلام أنه قال : إنه أصاب عليا عليهالسلام يوم «أحد» إحدى وستون جراحة ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر أم سليم وأم عطية أن تداوياه ، فقالتا إنا لا نعالج منه مكانا إلّا انفتق مكان آخر ، وقد خفنا عليه ، فدخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل يمسحه بيده ، ويقول : «إن رجلا لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر» وكان القرح الذي يمسحه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يلتئم ، وقال علي عليهالسلام : «الحمد لله إذ لم أفر ولم أوّل الدبر» فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله تعالى : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) وقوله تعالى:(وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).
* * *