للتربية ، فلا بدّ أولا من إسماعهم آيات الله مدة من الزمن حتّى تذهب عنهم الوحشة التي وقعوا فريسة لها من قبل ، ليتسنى حينئذ إدخالهم في مرحلة التعليم ، ثمّ يمكن اقتطاف ثمار التربية بعد ذلك.
ثمّ إن هناك احتمالا آخر في تفسير الآية وهو أن المقصود من التزكية هو التنقية من رواسب الجاهلية والشرك ، ومن بقايا العقائد الباطلة والأفكار الخرافية ، والأخلاق الحيوانية القبيحة لأن الضمير الإنساني ما دام لم يطهر من الأدران والرواسب لم يمكن إعداده وتهيئته لتعليم الكتاب الإلهي ، والحكمة والعلم الواقعيين ، تماما مثل اللوحة التي لا تقبل الألوان والنقوش الجميلة ما لم تنظف من النقوش القبيحة أولا.
ولهذا السبب قدمت التزكية فى الآية الحاضرة على تعليم الكتاب والحكمة التي يراد بها معارف الإسلام العالمية ، ومفاهيمه السامية.
متى تعرف قيمة البعثة النبوية؟
إن أهمية هذه النعمة العظمى (البعثة النبوية) إنما تتضح تمام الوضوح وتتجلى تمام الجلاء عند ما يقاس الوضع الذي آلوا إليه بالوضع الذي كانوا عليه ، وملاحظة مدى التفاوت بينهما وهذا هو ما يعنيه قوله : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
وكأن القرآن يخاطبهم قائلا : ارجعوا إلى الوراء وانظروا إلى ما كنتم عليه من سوء الحال قبل الإسلام ، كيف كنتم ، وكيف صرتم؟؟
إن الجدير بالتأمل هو وصف القرآن الكريم للعهد الجاهلي بقوله : (ضَلالٍ مُبِينٍ) لأن للضلال أنواعا وأصنافا : فمن الضلال ما لا يمكن معه للإنسان أن يميز بين الحق والباطل ، والخطأ والصواب بسهولة ، ومن الضلال ما يكون بحيث لو