والمشاقّ ظانّين أنه سبحانه هو الكفيل بإصلاح أمورهم ودفع شرّ الأعداء عنهم.
الآية تردّ على هذا الفهم الخاطئ وتشير إلى سنّة إلهية دائمة في الحياة ، هي أنّ المؤمنين ينبغي أن يعدّوا أنفسهم لمواجهة المشاقّ والتحدّيات على طريق الإيمان ليكون ذلك اختبارا لصدق إيمانهم ، ومثل هذا الاختبار قانون عامّ سرى على كلّ الأمم السابقة.
ويتحدّث القرآن الكريم عن بني إسرائيل ـ مثلا ـ وما واجهوه من مصاعب بعد خروجهم من مصر ونجاتهم من التسلّط الفرعوني ، خاصّة حين حوصروا بين البحر وجيش فرعون ، فقد مرّوا بلحظات عصيبة فقد فيها بعضهم نفسه ، لكن لطف الله شملهم في تلك اللحظات ونصرهم على أعدائهم.
وهذا الذي عرضه القرآن عن بني إسرائيل عامّ لكلّ (الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) وهو سنّة إلهيّة تستهدف تكامل الجماعة المؤمنة وتربيتها. فكلّ الأمم ينبغي أن تمرّ في أفران الأحداث القاسية لتخلص من الشوائب كما يخلص الحديد في الفرن ليتحوّل إلى فولاذ أكثر مقاومة وأصلب عودا. ثمّ ليتبيّن من خلال هذا الاختبار من هو اللائق ، وليسقط غير اللائق ويخرج من الساحة الاجتماعية.
المسألة الأخرى التي ينبغي التأكيد عليها في تفسير هذه الآية : أنّ الجماعة المؤمنة وعلى رأسها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ترفع صوتها حين تهجم عليها الشدائد بالقول (مَتى نَصْرُ اللهِ)؟!، وواضح أنّ هذا التعبير ليس اعتراضا على المشيئة الإلهية ، بل هو نوع من الطلب والدعاء.
فتقول الآية (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) ....
وبما أنّهم كانوا في غاية الاستقامة والصبر مقابل تلك الحوادث والمصائب ، وكانوا في غاية التوكّل وتفويض الأمر إلى اللّطف الإلهي ، فلذلك تعقّب الآية (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
(بأساء) من مادّة (بأس) وكما يقول صاحب معجم مقاييس اللّغة أنّها في