قال الأميني : لو كان لهذه الرواية اعتبارٌ ولو قليلاً عند البخاري لأخرجه في صحيحه ، ولم يجعل باب ذكر معاوية خالياً من كلّ فضيلة ومنقبة ، وهو يعلم أنَّ معاوية بكلّه فارغٌ عن العلم والحلم فكيف يصدّقها من يعرف الرجل بالجهل والغضب المرديين ؟
ولو كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا على رجل بأن يخلو بطنه من العلم والحلم فهل كان هو غير بطن معاوية ؟ أيّ عمل الرجل في ورده وصدره ينبئ عن الخلّتين ؟ وأيّ فرق فيهما بين جاهليّته الممقوتة وبين إسلامه المظلم ؟ فتلك وهذا سواسية ، وهو بينهما رهين جهله المبير وغضبه المهلك ، فإذا سألت عبادة بن الصامت ـ الصحابي العظيم ـ عن علمه فعلى الخبير سقطت يقول لك : إنَّ أُمّه هند أعلم منه (١) وإذا سألت شريكاً عن حلمه فتسمع منه قوله : ليس بحليم من سفه الحقَّ وقاتل عليّاً (٢). وتقول أمّ المؤمنين عائشة (٣) : أين كان حلمه حين قتل حُجراً وأصحابه ؟ ويلٌ له من حُجر وأصحابه.
وقال شريك حين ذُكر معاوية عنده بالحلم : هل كان معاوية إلّا معدن السفه ؟ والله لقد أتاه قتل أمير المؤمنين وكان متّكئاً فاستوى جالساً ثم قال : يا جارية غنّيني فاليوم قرّت عيني. فأنشأت تقول :
ألا أبلغ معاوية بن حربٍ |
|
فلا قرّت عيون الشامتينا |
أفي شهر الصيام فجعتمونا |
|
بخير الناس طرّاً أجمعينا |
قتلتم خيرَ من ركب المطايا |
|
وأفضلهم ومن ركب السفينا |
فرفع معاوية عموداً كان بين يديه فضرب راسها ونثر دماغها ، أين كان حلمه
___________________________________
(١) تاريخ ابن عساكر : : ٧ / ٢١٠ [ ٢٦ / ١٩٥ رقم ٣٠٧١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ٣٠٦ ].
( المؤلف )
(٢) تاريخ ابن كثير : ٨ / ١٣٠ [ ٨ / ١٣٩ حوادث سنة ٦٠ هـ ]. ( المؤلف )
(٣) مرّ حديثه في هذا الجزء. ( المؤلف )