ـ ١٠ ـ دعاء أبي مسلم لمرأة وعليها
كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل داره فكان في وسطها كبّر [ وكبّرت امرأته ، فاذا بلغ البيت كبّر وكبّرت امرأته ] (١) فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه امرأته بطعام فيأكل ، فجاء ذات ليلة فكبّر فلم تجبه ، ثم أتى باب البيت فكبّر وسلّم وكبّر فلم تجبه ، وإذا البيت ليس فيه سراجٌ وإذا هي جالسةٌ بيدها وَدّ (٢) تنكت به الأرض فقال لها : ما لكِ ؟ فقالت : الناس بخير ، وأنت أبو مسلم ، لو أنّك أتيت معاوية فيأمر لك بخادم ويعطيك شيئاً تعيش به ؟ فقال : اللهمّ من أفسد عليَّ أهلي فَأَعمِ بصره. وكانت أتتها امرأة فقالت : أنتِ امرأة أبي مسلم الخولاني فلو كلّمت زوجك يكلّم معاوية ليخدمكم ويعطيكم. فبينا هذه المرأة في منزلها إذ أنكرت بصرها فقالت : سراجكم طفئ ؟ فقالوا : لا. فقالت : إنّا لله ، ذهب بصري ، فأتت إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه حتى دعا الله فردَّ بصرها ورجعت امرأته إلى حالها التي كانت عليها.
أخرجه ابن عساكر في تاريخه (٣) ( ٧ / ٣١٧ ).
قال الأميني : ما أقسى صاحب هذه المعاجز حيث أعمى امرأة مسلمة من غير ذنب تستحقّ لأجله مثل هذه العقوبة ! فإنَّ مراجعة معاوية كبقيّة المسلمين وهو أميرهم فيما حسبوه ـ والرجل في الرعيل الأوّل من شيعته ـ للتوسيع عليه ليس فيها اقتراف مأثم ولا اجتراح سيّئة تستحقُّ المسكينة عليها التنكيل بها ، فهلّا دعا الله سبحانه أن يهديها وامرأته ، وأن يثبّت قلبيهما على الصبر والتقوى إن كان يعلم من نفسه إجابة دعوته ؟ لكنّه أبى إلّا القسوة ، أو أنَّ المغالي في فضله افتعل له ذلك ذاهلاً
___________________________________
(١) مابين المعقوفتين من المصدر.
(٢) الودّ : الوتد ( بلغة تميم).
(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٢٧ / ٢١٤ رقم ٣٢١٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٢ / ٦٠.