الحضرمي فقال : إنَّ هذه الأرض تلفظ الموتى ، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى ، فقلنا : ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله ، قال : فاجتمعنا على نبشه فلمّا وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه ، وإذا اللحد مدّ البصر نور يتلألأ ، قال : فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا (١).
قال الأميني : نحن لا ننبس هاهنا ببنت شفة ولا نحوم حول إسناده الباطل ولا نؤاخذ رواة القصّة بقولهم في الحضرمي : هذا خير البشر. وإنّه كذب فاحش يخالف ما أجمعت عليه الأُمّة ، وليس على الله بعزيز أن يجعل أفراد جيش جهّزه عمر كلّها صاحب كرامة ، لكنّا لا نعرف معنى قولهم : إنّ هذه الأرض تلفظ الموتى ، أيّ أرض هذه ؟ وفي أيِّ قطر هي ؟ وهل هي تعرف بهذه الصفة عند الملأ ؟ وهل هي شاعرة بخاصّتها هذه أو لا تشعر ؟ وهل هي باقيةٌ عليها إلى يومنا هذا ؟ وكيف شذّت عن بقاع الأرض بهذه الخاصّة ؟ ولماذا هي ؟ وكيف تخلّفت عن ذاتيّها في خصوص هذا المقبور ؟ وهل كان الرجل في القبر لمّا نبشوه مجلّلاً بالأنوار وقد أعشتهم عن رؤيته فحسبوه مفقوداً ، أو أنّه غادر القبر إلى جهة لا تُعرف ، وترك فيه أنواره ؟ أنا لا أدري ، وهل في مُنّة (٢) الراوي أو مدوّن القصّة أو مفتعلها أو من قاصَّها الجواب عن هذه الأسئلة ؟
ـ ١٤ ـ جيش يعبر الماء بدعاء سعد
أرسل عمر بن الخطّاب رضياللهعنه جيشاً إلى مدائن كسرى ، فلمّا بلغوا شاطئ الدجلة لم يجدوا سفينة ، فقال سعد بن أبي وقّاص رضياللهعنه وهو أمير السريّة ، وخالد بن
___________________________________
(١) تاريخ ابن كثير : ٦ / ١٥٥ [ ٦ / ١٧١ ـ ١٧٢ ] ، نزهة المجالس : ٢ / ١٩١ ، وأوعز إليها ابنا الأثير وحجر في أُسد الغابة : ٤ / ٧ [ ٤ / ٧٤ رقم ٣٧٣٩ ] ، والإصابة : ٢ / ٤٩٨ [ رقم ٥٦٤٢ ] فقالا : خاض البحر بكلماتٍ قالها ودعا بها. ( المؤلف )
(٢) المنّة : القدرة والقوة.