هريرة أنَّه فعله ، وأخرج أبو داود (١) من حديث جابر بسند حسن قال : كنّا نعفّي السبال إلّا في حجّ أو عمرة. وقوله : نعفّي. بضمّ أوّله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً ، وهذا يؤيِّد ما نقل عن ابن عمر ، فإنَّ السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحّدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر إلى أنَّهم يقصّرون منها في النسك ، ثم حكى الطبري اختلافاً فيما يؤخذ من اللحية ، هل له حدٌّ أم لا ؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكفّ ، وعن الحسن البصري : إنّه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش ، وعن عطاء نحوه قال : وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصِّها وتخفيفها ، قال : وكره آخرون التعرّض لها إلّا في حجّ أو عمرة ، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء ، وقال : إنَّ الرجل لو ترك لحيته لا يتعرّض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به ، واستدلَّ بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه : أنَّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. وهذا أخرجه الترمذي (٢) ، ونقل عن البخاري أنّه قال في رواية عمر ابن هارون : لا أعلم له حديثاً منكراً إلّا هذا ، وقد ضعّف عمر بن هارون مطلقاً جماعة.
وقال عياض : يكره حلق اللحية وقصّها وتجذيفها ، وأمّا الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسنٌ ، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال : وتعقّبه النووي بأنّه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها ، قال : والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرّض لها بتقصير ولا غيره. وكان مراده بذلك في غير النسك لأنَّ الشافعي نصَّ على استحبابه فيه.
وقال (٣) في ( ص ٢٨٩ ) : أنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال : ليس
___________________________________
(١) سنن أبي داود : ٤ / ٨٤ ح ٤٢٠١.
(٢) سنن الترمذي : ٥ / ٨٧ ح ٢٧٦٢.
(٣) فتح الباري : ١٠ / ٣٥١.