على لحيته فما فضل أخذه. رواه البخاري (١). وروى مسلم (٢) عن ابن عمر أيضاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « احفوا الشوارب واعفوا اللحى ». إلى أن قال بعد ذكر عدّةٍ من أحاديث الباب : والأحاديث في ذلك كثيرة وكلّها نصٌ في وجوب توقير اللحى وحرمة حلقها والأخذ منها على ما سيأتي.
ولا يخفى أن قوله : خالفوا المشركين ، وقوله خالفوا المجوس ، يؤيّدان الحرمة ، فقد أخرج أبو داود (٣) وابن حبّان وصحّحه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من تشبّه بقوم فهو منهم ». وهو غاية في الزجر عن التشبّه بالفسّاق أو بالكفّار في أيّ شيء ممّا يختصّون به من ملبوس أو هيئة ، وفي ذلك خلاف العلماء ، منهم من قال بكفره وهو ظاهر الحديث ، ومنهم من قال : لا يكفّر ولكن يؤدّب.
فهذان الحديثان بعد كونهما أمرين دالّان على أنَّ هذا الصنع من هيئات الكفّار الخاصّة بهم إذ النهي إنّما يكون عمّا يختصّون به. فقد نهانا صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التشبّه بهم عامّاً في قوله : « من تشبّه » ومن أفراد هذا العامّ حلق اللحية. وخاصّاً في قوله : « وفّروا اللحى ، خالفوا المجوس ، خالفوا المشركين ».
ثم ما تقدّم من الأحاديث ليس على إطلاقه ، فقد روى الترمذي (٤) عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. وروى أبو داود والنسائي : أنَّ ابن عمر كان يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكفِّ. وفي لفظ : ثم يقصّ ما تحت القبضة. وذكره البخاري (٥) تعليقاً . فهذه الأحاديث تقيّد ما رويناه آنفاً. فيُحْمل الإعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلّها.
___________________________________
(١) صحيح البخاري : ٥ / ٢٢٠٩ ح ٥٥٥٣.
(٢) صحيح مسلم ١ / ٢٨٢ ح ٢٥٩ كتاب الطهارة.
(٣) سنن أبي داود : ٤ / ٤٤ ح ٤٠٣١.
(٤) سنن الترمذي : ٥ / ٨٧ ح ٢٧٦٢.
(٥) صحيح البخاري : ٥ / ٢٢٠٩ ح ٥٥٥٣.