البيّنة أنَّه يحبُّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه ، وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره. فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيّما بالكوفة حتى أنَّ الرجل من شيعة عليّ عليهالسلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يُحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه ، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر. إلى آخره.
استخلف زياد على البصرة سمرة بن جندب لمّا كتب معاوية إلى زياد بعهده على الكوفة والبصرة ، فكان زياد يقيم ستّة أشهر بالكوفة وستّة أشهر بالبصرة ، وسمرة من الذين أسرفوا في القتل على علمٍ من معاوية بل بأمرٍ منه.
أخرج الطبري من طريق محمد بن سليم ، قال : سألت أنس بن سيرين : هل كان سمرة قتل أحداً ؟ قال : وهل يُحصى من قتل سمرة بن جندب ؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس ، فقال له معاوية : هل تخاف أن تكون قد قتلت أحداً بريئاً ؟ قال : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت ، أو كما قال.
قال أبو سوار العدوي : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن.
وروى بإسناده عن عوف ، قال : أقبل سمرة من المدينة فلمّا كان عند دور بني أسد خرج رجل من أزقّتهم ففجأ أوائل الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة ، قال : ثم مضت الخيل فأتى عليه سمرة بن جندب وهو متشحّطٌ في دمه فقال : ما هذا ؟ قيل : أصابته أوائل خيل الأمير. قال : إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتّقوا أسنّتنا (١).
أعطى معاوية سمرة بن جندب من بيت المال أربعمائة ألف درهم على أن يخطب في أهل الشام بأنَّ قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
___________________________________
(١) تاريخ الطبري : ٦ / ١٣٢ [ ٥ / ٢٣٧ حوادث سنة ٥٠ هـ ]. ( المؤلف )