أبوابهما أيّاماً بالكوفة وكانا شيعيّين وذلك بأمر معاوية. وقد عدّهما الحسين بن علي رضياللهعنهما على معاوية في كتابه إليه : « ألست صاحب حُجر والحضرميّين اللذين كتب إليك ابن سميّة أنَّهما على دين عليّ ورأيه ، فكتبت إليه من كان على دين عليّ ورأيه فاقتله وامثل به ، فقتلهما ومثّل بأمرك بهما ؟ ودين عليّ وابن عمّ عليّ الذي كان يضرب عليه أباك ـ يضربه عليه أبوك ـ أجلسك مجلسك الذي أنت فيه. ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشّم الرحلتين (١) اللتين بنا منَّ الله عليك بوضعها عنكم ».
قال الأميني : هلمّوا معي يا أهل دين الله ، هل اعتناق دين عليّ عليهالسلام ممّا يُستباح به دم مسلم ، وتستحّل المثلة والتنكيل المحظورة في الشريعة المطهّرة ، الممنوع عنها ولو بالكلب العقور ؟ أليس دين عليّ هو دين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي صدع به عن الله تعالى ؟ نعم هو كذلك لكن معاوية حائدٌ عن الدين القويم ولا يقيم له وزناً ما ، ولا يكترث لمغبّة هتكه ، ولا يتريّث عن الوقيعة فيه.
ومن الصلحاء الذين قتلهم معاوية بغير ذنب أتاه مالك بن الحارث الأشتر النخعي ، لله درُّ مالك ! وما مالك ؟ لو كان من جبل لكان فِنداً (٢) ، ولو كان من حَجر لكان صَلداً ، على مثل مالك فلتبكِ البواكي ، وهل موجودٌ كمالك ؟ أشدّ عباد الله بأساً ، وأكرمهم حسباً ، كان أضرَّ على الفجّار من حريق النار ، وأبعد الناس من دنس أو عار ، حسامٌ صارمٌ ، لا نابي الضريبة ، ولا كليل الحدّ ، حكيمٌ في السلم ، رزينٌ في الحرب ، ذو رأي أصيل ، وصبر جميل.
___________________________________
(١) كان لقريش في الجاهلية رحلتان كلّ عام : رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى الشام. وكان أبو سفيان يرأس العير التي تردّد بين مكة والشام. ( المؤلف )
(٢) الفند : القطعة العظيمة من الجبل.