أمّا بعد : فإنَّ غبَّ البغي والظلم عظيم الوبال ، وإنّ سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعة الموبقة في الآخرة ، وإنّا لا نعلم أحداً كان أعظم على عثمان بغياً ، ولا أسوأ له عيباً ، ولا أشدّ عليه خلافاً منك ، سعيت عليه في الساعين ، وسفكت دمه في السافكين ، ثم أنت تظنّ أنّي عنك نائمٌ أو ناسٍ لك ، حتى تأتي فتأمّر على بلاد أنت فيها جاري ، وجُلُّ أهلها أنصاري ، يرون رأيي ، ويرقبون قولي ، ويستصرخوني عليك ، وقد بعثت إليك قوماً حناقاً عليك يستسقون دمك ، ويتقرّبون إلى الله بجهادك ، وقد أعطوا الله عهداً ليمثّلُنَّ بك ، ولو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذّرتك ولا أنذرتك ، ولأحببت أن يقتلوك بظلمك وقطيعتك وعدوك على عثمان يوم يُطعن بمشاقصك بين خُششائه (١) وأوداجه ، ولكن أكره أن أُمثّل بقرشيّ ، ولن يُسلّمك الله من القصاص أبداً أينما كنت. والسلام.
فطوى محمد كتابيهما وبعث بهما إلى عليّ ، وكتب إلى معاوية جواب كتابه :
أمّا بعد : فقد أتاني كتابك تُذكّرني من أمر عثمان أمراً لا أعتذر إليك منه ، وتأمرني بالتنحِّي عنك كأنّك لي ناصحٌ وتُخوّفني المثلة كأنّك شفيقٌ ، وأنا أرجو أن تكون لي الدائرة عليكم فأجتاحكم في الوقيعة ، وإن تؤتوا النصر ويكن لكم الأمر في الدنيا فكم لعمري من ظالم قد نصرتم ، ومن مؤمن قد قتلتم ومثّلتم به ! وإلى الله مصيركم ومصيرهم ، وإلى الله مردُّ الأمور وهو أرحم الراحمين ، والله المستعان على ما تصفون. والسلام.
وكتب إلى عمرو بن العاص :
أمّا بعد : فقد فهمتُ ما ذكرتَ في كتابك يابن العاص ، زعمت أنّك تكره أن يُصيبني منك ظفرٌ وأشهد أنّك من المبطلين ، وتزعم أنّك لي نصيح وأُقسم إنّك عندي
___________________________________
(١) الخُشَشاء : العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأُذن.