أحاديث كثيرة. قلت : نعم ، ولكن ليس فيها حديث صحيح يصحُّ من طرق الإسناد ، نصَّ عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما ، فلذلك قال ـ يعني البخاري ـ : باب ذكر معاوية. ولم يقل : فضيلة ولا منقبة.
وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (١) : اتّفق الحفّاظ على أنّه لم يصحّ في فضل معاوية حديث.
نعم ؛ إنَّ الغلوّ في حبِّ الرجل خلق له فضائل مفتراة تبعد جدّاً عن ساحة النبيِّ الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يبوح بشيء منها ، وإنّما يد الافتعال نسجت له على نول ما نسجته لبقيّة الخلفاء مناقب تندى منها جبهة الإنسانيّة ، وألّف محمد بن عبد الواحد أبو عمر غلام ثعلب جزءاً في فضائل هذا الإنسان المحشوّ رداؤه بالرذائل. قال ابن حجر في لسان الميزان (٢) ( ١ / ٣٧٤ ) : إسحاق بن محمد السوسي ذاك الجاهل الذي أتى بالموضوعات السمجة في فضائل معاوية رواها عبيد الله السقطي عنه فهو المتّهم بها أو شيخه.
فنحن نجمع هاهنا شتات جملة من تلكم الأكاذيب التي خلقتها أو اختلقتها يد الوضع الأثيمة في مناقب الرجل ممّا مرّ الإيعاز إليه ، وما لم نذكره بعدُ ، ونجعلها بين يدي القارئ النابه الحرّ ، وله القضاء بالحقِّ ، والله المستعان ، ألا وهي :
١ ـ عن أنس مرفوعاً : لا أفتقد أحداً من أصحابي غير معاوية بن أبي سفيان لا أراه ثمانين عاماً ، فإذا كان بعد ثمانين عاماً يقبل إليّ على ناقة من المسك الأذفر حشوها من رحمة الله ؛ قوائمها من الزبرجد ، فأقول : معاوية ؟ فيقول : لبّيك يا محمد ! فأقول : أين كنت من ثمانين عاماً ؟ فيقول : كنت في روضة تحت عرش ربّي يناجيني وأُناجيه ، ويحيّيني وأُحيّيه ويقول : هذا عوضٌ ممّا كنت تُشتم في دار الدنيا.
___________________________________
(١) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة : ص ٤٢٣ ح ١٦٢.
(٢) لسان الميزان : ١ / ٤١٦ رقم ١١٦٥.