والمسائل (١) عبارة عن جملة من قضايا متشتتة جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض (٢) الّذي لأجله دوّن هذا العلم ، فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض
______________________________________________________
(١) هذا ثاني الجزءين اللذين تعرض لهما في أوّل الأمور المذكورة في المقدمة ، وملخصه : أنّ كل علم مركب من قضايا متشتتة مختلفة موضوعاً ومحمولا كقولهم في علم النحو : «الفاعل مرفوع والمفعول منصوب» ويبرهن عليها بمثل قوله تعالى : «وكفى الله المؤمنين القتال» ، و «إنما يخشى الله من عباده العلماء» ، وأشعار إمرئ القيس ، وتسمى هذه الأدلة بالمبادئ التصديقية ، لكونها موجبة للتصديق بثبوت محمولات هذه المسائل لموضوعاتها ، كما أنّ المبادئ التصورية هي حدود موضوعات المسائل ومحمولاتها كتعريف الفاعل والمبتدأ والخبر ونحوها ، وتعريف الرفع والنصب والجر المحمولة على تلك الموضوعات ، فالمبادئ التصورية لعلم النحو هي هذه الحدود ، فيستفاد من قوله : «والمسائل عبارة ... إلخ» أنّ العلوم أسامٍ لمسائلها ، لأنّه بعد البناء على اتحاد موضوع العلم مع موضوعات المسائل ، وعلى كون محمولات المسائل أعراضاً ذاتية لموضوعاتها فلا بد من كون أسامي العلوم أسماءً لمسائلها ، إذ لا يذكر في العلوم غير تلك المسائل ، فعلم الأُصول اسم لمسائله لا للإدراك ولا للملكة المسببة عن الممارسة ، وكذا علم النحو اسم للمسائل التي توجب مراعاتها صحة الكلمة إعراباً وبناءً ، وهكذا سائر العلوم.
(٢) المستفاد منه أنّ تمايز العلوم بتمايز الأغراض المترتبة على المسائل المختلفة موضوعاً ومحمولاً ، لا الموضوعات كما اشتهر ، وذلك لتحسين العقلاء تدوين علم واحد للمسائل المتشتتة المختلفة موضوعاً ومحمولا إذا كان الغرض المترتب عليها واحداً ، وتقبيحهم تدوين علم واحد للمسائل مع تعدد الغرض المترتب عليها ولو كان موضوع جميعها واحداً ، فلو كان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات لم يكن وجه للتقبيح المزبور ، لفرض وحدة الموضوع في جميع المسائل مع تعدد الغرض المترتب عليها.