الجبت والطّاغوت :
استعملت لفظة «الجبت» في هذه الآية من القرآن الكريم خاصّة ، وهو اسم جامد لا تعريف له في اللغة العربية ، ويقال أنّه يعني «السّحر» أو «السّاحر» أو «الشّيطان» بلغة أهل الحبشة ، ثمّ دخل في اللغة العربية واستعمل بهذا المعنى ، أو بمعنى الصنم أو أي معبود غير الله في هذه اللغة ، ويقال : أنه في الأصل «جبس» ثمّ أبدل «س» إلى «ت».
وأمّا لفظة «الطّاغوت» فقد استعملت في ثمانية موارد من القرآن الكريم ، وهي ـ كما قلنا في المجلد الأوّل من هذا التّفسير لدى الحديث عن الآية (٢٥٦) من سورة البقرة ـ صيغة مبالغة (١) من مادة الطغيان ، بمعنى التعدي وتجاوز الحدّ ، ويطلق على كل شيء موجب لتجاوز الحدّ (ومنها الأصنام) ولهذا يسمى الشيطان ، والصنم والحاكم الجبار المتكبر ، وكل معبود سوى الله ، وكل مسيرة تنتهي إلى غير الحق ، طاغوتا.
هذا هو المعنى الكلي لهاتين اللفظتين.
أمّا المراد منهما في الآية المبحوثة الآن ، فذهب المفسرون فيه مذاهب شتى.
فقال البعض بأنّهما اسمان لصنمين سجد لهم اليهود في القصّة السابقة.
وقال آخرون : الجبت هنا هو الصنم ، والطّاغوت هم عبدة الأصنام ، أو حماتها الذين كانوا يمثلون تراجمة الأصنام الذين كانوا يتكلمون بالتكذيب عنها ليخدعوا الناس(٢)،وهذا المعنى أوفق لما جاء في سبب النزول وتفسير الآية ، لأنّ اليهود سجدوا للأصنام كما خضعوا أمام عبدتها الوثنيين أيضا.
ثمّ إنّه سبحانه بيّن ـ في الآية الثانية ـ مصير أمثال هؤلاء المداهنين قائلا : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً).
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٣٥ ، وذهب البعض إلى أنه مصدر استعمل بالمعنى الوصفي وصيغة المبالغة.
(٢) تفسير التبيان ، وتفسير روح المعاني.