الحياتية وفق دينهم الجديد (الإسلام) ولم تكن لديهم في هذه الحالة ـ على ما يبدو ـ أي قدرة سياسية واجتماعية ، ولكنهم بعد الهجرة شكلوا مباشرة الدولة الإسلامية التي تقدمت بسرعة فائقة ـ في كل المجالات ـ ولو أنّ المسلمين لم يذعنوا لأمر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في اختيار الهجرة وفضلوا البقاء في مكّة ، لما تيسر عند ذلك للإسلام أن يمتد خارج حدود مكّة ، بل حتى كان من الممكن أن يقبر الإسلام في مكّة ويمحى أثره.
ويتّضح لنا أنّ الهجرة لم تكن حكما خاصا بزمن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل أنّها تجب على المسلمين متى ما تعرضوا لظروف مشابهة لتلك الظروف التي اضطرت النّبي وأصحابهصلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ترك مكّة والهجرة إلى المدينة.
والقرآن يعتبر الهجرة في الأساس جوهرا لوجود الحرية والرفاه ، وقد أشارت الآية ـ موضوع البحث ـ إلى هذا الأمر ، كما أن الآية (٤١) من سورة النحل تشير من جانب آخر إلى هذه الحقيقة ، إذ تقول : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً).
وتجدر الإشارة ـ أيضا ـ إلى هذه النقطة ، وهي أنّ الهجرة في نظر الإسلام لا تقتصر على الهجرة المكانية والخارجية ، بل يلزم قبل ذلك أن تتحقق لدى الفرد المسلم هجرة باطنية في نفسه ، يترك بها كل ما ينافي الأصالة والكرامة الإنسانية ، لكي يتيسر له بهذا السبيل إلى الهجرة المكانية ـ إذن فالهجرة الباطنية ضرورية قبل أن يبدأ الإنسان المسلم هجرته الخارجية ـ وإذا لم يكن هذا الإنسان بحاجة إلى الهجرة الخارجية ، يكون قد نال درجة المهاجرين بهجرته الباطنية.
والإساس في الهجرة هو الفرار من «الظلمات» إلى «النور» ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الخطأ والعصيان إلى إطاعة حكم الله ، لذلك نجد في الحديث ما يدل على أنّ المهاجرين الذين هاجروا بأجسامهم دون أن تتحقق الهجرة في بواطنهم وأرواحهم ، ليسوا في درجة المهاجرين ، وعلى عكس هؤلاء فإنّ من تتحقق لديه