بنظر الاعتبار الرّوايات المفسّرة لهذه الآية ـ لا تقتصر على حالة الخوف ، ولهذا السبب فإن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في أسفاره حتى في موسم الحج (في أرض منى) يقصر صلاته.
سؤال :
وهنا يرد سؤال آخر ، وهو أنّ الآية قد أتت بعبارة (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) وليس في هذه العبارة دلالة الحتمية في الحكم ، أي لا تحتم على المسافر أن يقصر صلاته ، فكيف يمكن القول أنّ صلاة القصر واجب عيني للمسافر وليس واجبا تخييريا؟
الجواب :
لقد وجّه هذان السؤالان إلى أئمّة الإسلام ، فأشاروا لدى الإجابة عليهما إلى نقطتين مهمتين :
النّقطة الأولى : هي أنّ عبارة «لا جناح» ، أي لا ذنب عليكم ، قد استخدمت في بعض الموارد في القرآن الكريم للدلالة على الوجوب ، فمثلا في آية : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (١) في حين أن جميع المسلمين يعرفون أنّ السعي بين الصفا والمروة واجب سواء في الحج أو العمرة.
وكان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام والمسلمون يؤدون السعي بعنوان الواجب ... وقد نقل عن الإمام الباقر عليهالسلام حديث بهذا المضمون (٢).
وبعبارة أخرى فإنّ عبارة «لا جناح» ـ في الآية موضوع البحث وكذلك في آية الحج ـ جاءت لنفي التحريم ، والسبب هو أنّ بعض المسلمين في بدء الإسلام ، ولوجود أصنام على جبلي الصفا والمروة ، كانوا يظنون أنّ السعي بينهما من
__________________
(١) من سورة البقرة ، الآية ١٥٨.
(٢) نور الثقلين ، الجزء الأوّل ، ص ٥٤٢.