لقد اتصل هؤلاء بالمجتمع الإنساني اتصالا عجيبا ، وتركوا التفرد والأنانية إلى درجة أنّهم يطلبون من الله في دعواتهم أن لا يجعلهم مع الأبرار والصالحين في حياتهم فحسب ، بل يجعل مماتهم ـ سواء أكان مماتا طبيعيا أو بالشهادة في سبيل الله ـ كممات الأبرار الصالحين أيضا ، أو يحشرهم معهم ، لأن الموت مع الأشرار موتة مضاعفة ، وعناء مضاعف.
وهنا يطرح سؤال وهو : ما ذا يعني الستر على السيئات بعد طلب غفرانها؟
والجواب هو : مع ملاحظة بقية الآيات القرآنية تتضح حقيقة الإجابة على هذا السؤال ، فإن الآية ٣١ من سورة النساء تقول : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) فيستفاد من ذلك أنّ السيئات تطلق على المعاصي الصغيرة ، ولهذا فإنّ العقلاء ذوي الألباب يطلبون من الله في أدعيتهم وضراعاتهم أن يغفر لهم ذنوبهم الكبيرة،ويستر ـ عقب ذلك ـ على ذنوبهم الصغيرة ، ويمحو آثارها من الوجود.
ثمّ أن هؤلاء العقلاء يطلبون من ربّهم في نهاية المطاف ، وبعد أن يسلكوا طريق الإيمان والتوحيد وإجابة دعوة الأنبياء والقيام بالواجبات الموجهة إليهم ، أن يؤتيهم وعدهم على لسان الرسل فيقولون : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) أي ربّنا لقد وفينا بالتزاماتنا،فأتنا ما وعدتنا عن طريق أنبيائك ورسلك ولا تفضحنا ولا تلحق بنا الخزي يوم القيامة : (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ).
إنّ التركيز على «الخزي» يؤكّد مرّة أخرى هذه الحقيقة الهامّة ، وهي أن هؤلاء بسبب ما يرون لشخصيتهم من أهمية واحترام يعتبرون «الخزي» من أشد ما يلحق بالإنسان من الأذى ، ولهذا يركزون عليه دون سواه من ألوان العقوبات.
وفي مستدرك الوسائل نقلا عن أبي الفتوح الرّازي في تفسيره ، أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من كان له إلى الله حاجة فليقل خمس مرات ربّنا يعطى حاجته ، ومصداق