التّفسير
الحلال من الصيد :
أعقبت الآية الأخيرة آيتين سبق وأن تناولتا أحكاما عن الحلال والحرام عن اللحوم،وقد بيّنت هذه الآية نوعا آخر من اللحوم أو الحيوانات التي يحل للإنسان تناولها، وجاءت على صيغة جواب لسؤال ذكرته الآية نفسها بقولها : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ ...).
فتأمر الآية النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أوّلا ـ بأن يخبرهم إنّ كل ما كان طيبا وطاهرا فهو حلال لهم، حيث تقول : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ...) دالة على أنّ كل ما حرمه الإسلام يعتبر من الخبائث غير الطاهرة ، وإن القوانين الإلهية لا تحرم ـ مطلقا ـ الموجودات الطاهرة التي خلقها الله لينتفع بها البشر ، وإن الجهاز التشريعي يعمل دائما بتنسيق تام مع الجهاز التكويني وفي كل مكان.
ثمّ تبيّن الآية أنواع الصيد الحلال ، فتشير إلى الصيد الذي تجلبه أو تصيده الحيوانات المدربة على الصيد ، فتؤكد بأنّه حلال ، بقولها : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) (١).
وعبارة جوارح مشتقة من المصدر «جرح» الذي يعني أحيانا «الكسب» وتارة يعني «الجرح» الذي يصاب به البدن ، ولذلك يطلق على الحيوانات المدرّبة على الصيد،سواء كانت من الطيور أو من غيرها ، اسم «جارحة» وجمعها «جوارح» أي الحيوان الذي يجرح صيده ، أو بالمعنى الآخر الحيوان الذي يكسب لصاحبه ، وأمّا إطلاق لفظة «الجوارح» على أعضاء الجسم فلأن الإنسان يستطيع بواسطتها إنجاز الأعمال أو الاكتساب.
وجملة (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) تشمل كل الحيوانات المدرّبة على
__________________
(١) هناك محذوف مقدر في بداية هذه الجملة القرآنية ، حيث إن الأصل يفترض أن يكون «وصيد ما علمتم» وذلك استدلالا بالقرينة الواردة في جملة (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ... (فليلاحظ ذلك).