إذا عرفت ما ذكرنا ، فقد تصدّى غير واحد من الأفاضل لإقامة البرهان على الملازمة ، وما أتى منهم بواحد (١) خال عن الخلل ، والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان (٢) حيث إنّه أقوى شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شيئا له مقدّمات أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها (*) ، بحيث ربّما يجعلها في قالب الطلب مثله (٣) ، ويقول مولويّا :
______________________________________________________
للأصل ، حيث إنّ موضوعه هو الشكّ المعلوم انتفاؤه هنا ، لأنّه ـ بناء على الملازمة بين وجوب الواجب ومقدّمته ـ يعلم بوجوب المقدّمة لمّا بعد العلم بوجوب ذيها ، فلا شكّ في وجوب المقدّمة حتى يجري فيه الأصل.
(١) أي : ببرهان واحد خال عن الخلل ، وقوله : ـ أتى ـ ماض معلوم.
(٢) كما في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) ، وقد عزاه في البدائع إلى جمع من الأعيان ، كالمحقق الدوّاني ، والمحقق الطوسي ، وظاهر كلام سيّد الحكماء والمتألهين المير محمّد باقر الداماد في بعض تحقيقاته : «وتلقّاه بالقبول مشايخنا العظام ، وأساتيذنا الكرام ، وسائر المتأخّرين الفخام ، وهو أقوى الأدلّة الّتي استدل بها في المقام ، وأسدّها» انتهى كلام البدائع.
(٣) أي : مثل نفس الشيء الّذي له مقدّمات. ومحصل هذا البرهان : أنّ الوجدان يحكم بالملازمة بين إرادة شيء وإرادة مقدّماته لو التفت المريد إلى تلك المقدّمات ، بل قد يأمر بها مولويّا ، كما يأمر بنفس ذلك الشيء ، فيقول مولويا : «ادخل السوق واشتر اللّحم» ، فالأمر بدخول السوق ـ الّذي هو مقدّمة ـ يكون مولويّا كالأمر بذي المقدّمة ، وهو شراء اللحم.
__________________
(*) لا يخفى : أن وجوب المقدّمة بمعنى اللّابديّة العقليّة ، وبمعنى الوجوب العرضي الّذي هو إسناد الوجوب النّفسي إلى ذي المقدّمة حقيقيّا أوّليّا ، وإلى المقدّمة عرضيا ثانويّا ، نظير إضافة الجعل إلى نفس الماهيّة حقيقة ، وإلى لوازمها مجازا ، ليس محلّ النزاع بين المحقّقين ، إذ الوجوب العقلي مقوّم للمقدّميّة ، فإنكاره مساوق لإنكار المقدّميّة. وكذا الوجوب العرضي ـ بناء على كون وجوب