الأمر الثالث (١) : أنّه قيل بدلالة الأمر بالشيء بالتضمّن على النهي عن الضّدّ العام بمعنى الترك (٢) ، حيث إنّه (٣) يدلّ على الوجوب المركّب من طلب الفعل والمنع عن الترك.
والتحقيق (٤) :
______________________________________________________
(١) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان عدم الاقتضاء بنحو التضمّن والعينيّة ، إذ من الأقوال : اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه تضمّنا ، كما أنّ منها : اقتضاؤه له عينا.
أما تقريب الأوّل ، فهو : أنّ الوجوب عبارة عن طلب الفعل مع المنع من الترك ، فالنهي عن الضّدّ العام ـ وهو الترك ـ جزء مدلول الوجوب ، فيكون اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عنه بالتضمّن ، ولا ينبغي الإشكال في ذلك بناء على تركّب الوجوب من طلب الفعل والمنع عن تركه.
(٢) لا بمعنى : أحد الأضداد الوجوديّة لا بعينه ـ كما هو أحد إطلاقات الضّد ـ لأنّه بهذا المعنى يرجع إلى الضّد الخاصّ.
(٣) أي : الأمر ، وهذا تقريب الاقتضاء التضمّني الّذي عرفته آنفا.
(٤) غرضه : المناقشة في الاقتضاء التضمّني المزبور بما يرجع إلى عدم تسليم تركّب الوجوب.
وحاصله : أنّ الوجوب بسيط ، حيث إنّه عبارة عن مرتبة أكيدة من الطلب يعبّر عنها بالطلب الشديد ، كما أنّ الندب هو الطلب الضعيف.
وعليه : فلا تركّب في الوجوب. وتعريف جلّ الأصوليّين له ب : «طلب الفعل مع المنع من الترك» تعريف له بلازمه ، ضرورة أنّ لازم المرتبة الشديدة من الطلب هو المنع من الترك ، لا أنّ للوجوب جنسا وفصلا حتّى يكون مركّبا.
وعليه : فليس المنع من الترك جزءا من مدلول الوجوب حتّى يقتضي النهي عن الضّدّ العام بمعنى الترك تضمّنا. فدعوى : الاقتضاء التضمّني ساقطة من أصلها لابتنائها على تركّب الوجوب الّذي أنكره المصنّف والتزم ببساطته.