والتحقيق (١) أن يقال : إنّه إن كان الأمر بأحد الشيئين بملاك أنّه هناك
______________________________________________________
ثم إنّ هذين القولين منسوبان إلى طائفتين من المعتزلة (*).
(١) غرضه : تصوير التخيير الشرعي ، وإرجاعه حقيقة إلى التخيير العقلي ، بتقريب : أنّ الملاك الداعي إلى الأمر بشيئين أو أشياء إن كان واحدا يقوم به كلّ واحد منهما أو منها بحيث يسقط بإتيانه الأمر ، فلا محالة يكون الواجب هو الجامع المنطبق على كلّ واحد منهما ، أو منها ، ويصير التخيير حينئذ عقليّا ، لا شرعيّا ، إذ لا يصدر الغرض الواحد ـ وهو الملاك ـ إلّا من الواحد ، فلا يؤثّر فيه المتباينان أو المتباينات ، للزوم السنخيّة بين العلّة والمعلول ، وهي ممتنعة بين المتباينين
__________________
بل الإرادة التامّة تتعلّق بغرض يحصل بأحد أمور من دون نقصان في شيء من الإرادة والمراد. مثلا : إذا أراد المولى رفع عطشه ، وكان هناك أسباب عديدة لرفعه من الماء ، والرّقي ، والبطيخ ، وماء الرمان ، وغيرها ، فيصح حينئذ أن يأمر عبده برفع عطشه ، فإن علم العبد بما يوجب رفع العطش لا يجب على المولى بيان ذلك ، وإلّا وجب عليه.
وهذا نظير أمر المولى بطمّ حفرة حصلت في الأرض من قطع شجر أو غيره ، فمراده الجدّي ـ وهو الطمّ ـ يحصل بالتّراب ، والآجر ، والحجر ، وغيرها ، فلو لم يصرّح بأسباب الطّم فالعقل يخيّر العبد بينها. وإن صرح بالتخيير بين اثنين ، أو أزيد منهما كان التخيير شرعيّا ، لكشفه عن دخل خصوصيّات الأطراف في الحكم ، كما إذا كان مراده في المثال طمّ الحفر بما لا يوجب صلابة الأرض.
فالتخيير الشرعي تخيير بين محصّلات المراد من دون نقص في نفس الإرادة أو المراد ، ولا يلزم محذور في التخيير بين محصّلات المراد.
وإن نوقش في هذا الوجه أيضا ، فلا يقدح في وقوع الوجوب التخييري الّذي وقع في الشرعيّات والعرفيات بلا ارتياب ، فإنّ عدم تعقّل كنه الوجوب لنا لا يضرّ بوقوعه المسلّم لأنّه إشكال علميّ أمكن لنا دفعه أم لا ، والله الهادي إلى الصواب.
(*) ولكن حكي : أنّ كلّ واحد من المعتزلة والأشاعرة تبرّأ من القول