يشبه ذلك بالنسبة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الآية الاولى من سورة التحريم : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ).
التّفسير
القسم وكفارته :
في هذه الآية والآيات التّالية لها مجموعة من الأحكام الإسلامية المهمّة ، بعضها يشرع لأوّل مرّة ، وبعض آخر جاء توكيدا وتوضيحا لأحكام سابقة وردت في آيات اخرى من القرآن ، لأنّ هذه السورة ـ كما سبق أن قلنا ـ نزلت في أواخر عمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان لا بدّ من التأكيد فيها على أحكام اسلامية مختلفة.
في الآية الاولى إشارة إلى قيام بعض المسلمين بتحريم بعض النعم الإلهية. فنهاهم الله عن ذلك قائلا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) (١).
إنّ ذكر هذا الحكم ، مع أخذ سبب النّزول بنظر الإعتبار ، قد يكون إشارة إلى أنّه إذا كان في الآيات السابقة شيء من الثناء على فريق من علماء المسيحية ورهبانها لتعاطفهم مع الحقّ والتسليم له ، لا لتركهم الدنيا وتحريم الطيبات ، وليس للمسلمين أن يقتبسوا منهم ذلك ، فبذكر هذا الحكم يعلن الإسلام صراحة استنكار الرهبنة وهجر الدنيا كما يفعل المسيحيون والمرتاضون (ثمّة شرح أوفى لهذا الموضوع في تفسير الآية (٢٧) من سورة الحديد : (... وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها).
ثمّ لتوكيد هذا الأمر تنهي الآية عن تجاوز الحدود ، لأنّ الله لا يحبّ الذين يفعلون ذلك (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
وفي الآية التي تليها آخر للأمر ، إلّا أنّ الآية السابقة كان فيها نهي عن التحريم ، وفي هذه الآية أمر بالانتفاع المشروع من الهبات الإلهية ، فيقول : (وَكُلُوا
__________________
(١) في معنى «الحلال» و «الطيب» أنظر المجلد الأول من هذا التفسير.