وفي «مسند أحمد» و «سنن أبي داود» و «النسائي» و «الترمذي» أنّ عمر (وكان يكثر من الخمر كما جاء في تفسير «في ظلال القرآن» ج ٣ ، ص ٣٣) كان يدعو الله أن ينزل حكما واضحا في الخمر ، وعند ما نزلت الآية (٢١٩) من سورة البقرة (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) .. قرأها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكنّه ظل يكرر دعاءه ويطلب مزيدا من التوضيح حتى نزلت الآية (٤٣) من سورة النساء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا ، غير أنّه استمر في دعاءه ، حتى نزلت الآية التي نحن بصددها موضحة الحكم بشكل كامل ، وعند ما قرأها رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم على عمر ، فقال : انتهينا انتهينا (١)!
التّفسير
مراحل تحريم الخمر وحكمها النهائي :
سبق أنّ ذكرنا في المجلد الثّالث من هذا التّفسير في ذيل الآية (٤٣) من سورة النساء ، إنّ معاقرة الخمر في الجاهلية وقبيل الإسلام كانت منتشرة انتشارا أشبه بالوباء العام ، حتى قيل : أنّ حبّ عرب الجاهلية كان مقصورا على ثلاثة : الشعر والخمر والغزو.
ويستفاد من بعض الرّوايات ، أنّه حتى بعد تحريم الخمر فإن الإقلاع عنها كان شاقّا على بعض المسلمين ، حتى قالوا : ما حرم علينا شيء أشد من الخمر (٢)! من الواضح أنّ الإسلام لو أراد أن يحارب هذا البلاء الكبير الشامل بغير أن يأخذ الأوضاع النفسية والاجتماعية بنظر الإعتبار لتعذر الأمر وشق تطبيق التحريم ، لذلك اتخذ أسلوب التحريم التدريجي وإعداد الأفكار والأذهان لاقتلاع
__________________
(١) تفسير «المنار» ، ج ٧ ، ص ٥٠.
(٢) نفس المصدر ، ج ٧ ، ص ٥١.