عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ).
فبيّنوا قصدهم أنّهم طلبوا المائدة للطعام ، ولتطمئن قلوبهم به لما سيكون لهذا الطعام الإلهي من أثر في الروح ومن زيادة في الثقة واليقين.
ولمّا أدرك عيسى عليهالسلام حسن نيّتهم في طلبهم ذاك ، عرض الأمر على الله : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
من الواضح هنا أنّ الأسلوب الذي عرض به عيسى بن مريم الأمر على الله كان أليق وأنسب ، ويحكي عن روح البحث عن الحقيقة ورعاية الشؤون العامّة للمجتمع.
فاستجاب الله لهذا الطلب الصادر عن حسن نية وإخلاص ، (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
فبعد نزول المائدة تزداد مسئوليات هؤلاء وتقوى الحجة عليهم ، ولذلك فإنّ العقاب سيزداد أيضا في حالة الكفر والانحراف.
ملاحظات :
هنا لا بدّ من التحقيق في عدّة نقاط من هذه الآيات الكريمة :
١ ـ ما القصد من طلب المائدة؟
لا شك أنّ الحواريين لم يكونوا مدفوعين بقصد شيء في طلبهم هذا ، ولا هم كانوا يريدون المشاكسة والمعاندة ، بل كانوا يرغبون في بلوغ مرحلة الاطمئنان الأقوى وإبعاد ما بقي من رواسب الشك والوسوسة من أعماقهم ، فكثيرا ما يحدث أنّ إنسانا يتأكد من أمر بالمنطق وحتى بالتجربة ، ولكن إذا كان الأمر مهما جدّا فإنّ بقايا من الشك والتردد تظل في ثنايا قلبه ، لذلك فهو شديد الرغبة في أن تتكرر تجاربه واختباراته ، أو أن تتبدل استدلالاته المنطقية والعلمية إلى مشاهدات عينية تقتلع من أعماق قلبه جذور تلك الشكوك والوساوس ، ولهذا