لسان» (١).
كما أنّ من أصول الفقه المسلم بها هو مبدأ «قبح العقاب بلا بيان» وهذا ما تفيده الآية المذكورة.
فقد ثبت في أصول الفقه أنّه ما دام الحكم لم يبلغ شخصا ، فإنّه لا يتحمل مسئولية تنفيذه (إلّا إذا كان مقصرا في استيعاب الحكم) ، فهذه الآية تقول بأنّ الذين تصلهم الدعوة يتحملون مسئوليتها ، أمّا الذين لم تصلهم الدعوة ، بدون تقصير ، فلا مسئولية عليهم.
في تفسير (المنار) رواية عن أبيّ بن كعب قال : أتي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأسارى فقال لهم : هل دعيتم إلى الإسلام؟ قالوا : لا ، فخلى سبيلهم ، ثمّ قرأ (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) ، ثمّ قال : خلوا سبيلهم حتى يأتوا مأمنهم من أجل أنّهم لم يدعوا (٢).
ومن هذه الآية نفهم ـ أيضا أنّ إطلاق كلمة «شيء» على الله جائز ، إلّا أنّه شيء لا كالأشياء المخلوقة المحدودة ، بل هو خالق ولا تحده حدود.
ثمّ أمر الله رسوله أن يسألهم : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى). ويأمره أن : (قُلْ لا أَشْهَدُ ، قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
ذكر العبارات الأخيرة في الآية له هدف نفسي هام ، وهو أنّ المشركين قد يتصورون حدوث تزلزل في نفس النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على أثر كلامهم ، فيتركون المجلس آملين ، ويبشرون أصحابهم بإمكان أن يعيد محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم النظر في دعوته.
فهذه الجمل الصريحة الحاسمة تقضي على أمل المشركين وتحيله إلى يأس ، وتبيّن لهم أنّ الأمر أعظم ممّا يظنون ، وأنّه لم يداخله أدنى شك في دعوته ، ولقد دلت التجارب على أنّ ذكر أمثال هذه العبارات الجازمة والحاسمة في ختام كل
__________________
(١) تفسير «البرهان» ، وتفسير «نور الثقلين» ، ج ١ ، ص ٧٠٧ ذيل الآية.
(٢) تفسير «المنار» ، ج ٧ ، ص ٣٤١.