الإلهام الغريزي ، فليس ثمّة دليل على أنّ هذه الأعمال تجري بصورة غريزية لا عقلية.
ما الدليل على أنّ هذه الأعمال ـ حسبما يدل ظاهرها ـ ليست ناشئة عن تعقل وإدراك؟ كثيرا ما يحدث أنّ الحيوان يبتكر ـ استجابة لظرف من الظروف ـ شيئا لم يسبق له أن مرّ به وجربه ، فالشاة التي لم يسبق لها أن رأت ذئبا في حياتها تفرغ منه أوّل ما تراه وتدرك خطره عليها ، وتتوسل بكل حيلة لدرء خطره عنها.
إن العلاقة التي تتكون بين الحيوان وصاحبه تدريجيا دليل آخر على هذا الأمر ، فكثير من الكلاب المفترسة الخطرة تعامل أصحابها ـ بل وحتى أطفالهم ـ كما يعاملهم الخادم العطوف.
ويحكى الكثير عن وفاء الحيوانات وعن تقديمها كثيرا من الخدمات الإنسانية ولا شك أنّ هذه أمور ليس من السهل اعتبارها ناشئة بدافع الغريزة ، إذ إنّ الغريزة تنشأ عنها أعمال رتيبة من طراز واحد باستمرار ، أمّا الأعمال التي تقع في ظروف خاصّة كردود فعل لحوادث طارئة غير متوقعة ، فهذه تكون إلى التعقل والإدراك أقرب منها إلى الغريزة.
نشاهد اليوم أنّ حيوانات مختلفة يجري تدريبها لأغراض متنوعة ، فالكلاب البوليسية تدرب للقبض على المجرمين ، والحمام الزاجل لنقل الرسائل ، وحيوانات أخرى ترسل لابتياع بعض الحوائج من السوق ، وحيوانات أخرى للصيد ، وهي كلها تؤدي مهماتها بكل دقة وإتقان (حتى أنّهم افتتحوا مؤخرا مدارس خاصّة لتعليم مختلف الحيوانات)!
فضلا عن ذلك كلّه ، فإنّ هناك بعض الآيات التي تدل ـ بوضوح ـ على أنّ للحيوانات فهما وإدراكا ، من ذلك حكاية هروب النمل من أمام جيش سليمان ، وحكاية ذهاب الهدهد إلى منطقة سبأ باليمن ورجوعه بأخبار مثيرة لسليمان.
ثمّة أحاديث إسلامية كثيرة حول بعث الحيوانات ، من ذلك ما روي عن