البسيطة التي يكفي لها ما يناسبها من الفهم والإدراك يمكن تصورها وقبولها في الحيوان ولا يمكن إنكارها ، بل من الصعب أن نرفض كل تكليف بشأن الأطفال والمجانين القادرين على فهم بعض المسائل ، فالصبي الذي لم يبلغ سن الرشد ـ كأن يكون عمره ١٤ ـ سنة مثلا ـ لو ارتكب جريمة قتل ، وهو عالم بكل أضرار هذا العمل ، فلا يمكن اعتباره بريئا ، والقوانين الجزائية في العالم تضع عقوبات على بعض جرائم الأطفال غير البالغين ، وإن كانت العقوبات أخف طبعا.
وعليه ، فإنّ البلوغ واكتمال العقل من شروط التكليف في المراحل العليا المتكاملة ، أمّا في المراحل الأدنى ، أي في الذنوب التي لا يخفى قبحها حتى على من هم أدنى مرتبة ، فان البلوغ والتكامل العقلي ليسا شرطا لازما.
فإذا أخذنا اختلاف مراحل التكليف واختلاف مراتب العقل بنظر الاعتبار ، يمكن حل قضية الحيوانات أيضا بهذا الشأن.
* * *
٣ ـ هل تدل هذه الآية على التناسخ؟
من العجيب أن بعض مؤيدي فكرة «التناسخ» الخرافية يتخذون من هذه الآية دليلا على صحة فكرتهم ، ويقولون : يفهم من الآية أنّ الحيوانات أمم مثلكم ، مع أنّنا نعلم أنّها ذاتيا ليست مثلنا ، فيمكن إذن القول بأن أرواح البشر التي تفارق أبدانها تحل في أبدان الحيوانات ، وبهذا الشكل تنال الأرواح المذنبة العقاب.
ولكن على الرغم من أنّ فكرة التناسخ تناقض «قانون التكامل» ولا تتفق مع منطق العقل ، وتستوجب إنكار «المعاد» (كما سبق شرحه في موضعه) ، فإنّ هذه الآية لا تدل على التناسخ مطلقا ، إذ إنّ المجتمعات الحيوانية ـ كما قلنا ـ تشبه المجتمعات البشرية ، وهو شبه بالفعل لا بالقوّة ، لأن للحيوانات نصيبها من الفهم