وإذا تجاوزنا ذلك ، فإنّنا نلاحظ أنّ بعض الكائنات الحيّة لا بدّ لها أن تعلم الغيب للمحافظة على حياتها ، فيهبها الله ما تحتاجه من علم ، فنحن ـ مثلا ـ قد سمعنا عن بعض الحشرات التي تتنبأ في الصيف بما سيكون عليه الجو في الشتاء ، أي أنّ الله قد وهبها هذا العلم بالغيب ، لأنّ حياتها ستتعرض لخطر الفناء دون هذه المعرفة ، وسوف نفصل هذه الموضوع أكثر إن شاء الله عند تفسير الآية (١٨٨) من سورة الأعراف.
في الجملة الثّالثة ردّ على الذين كانوا يتصورون النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ملكا ، أو أن يصاحبه ملك ، وان لا يتصف بما يتصف به البشر من تناول الطعام والسير في الطرقات ، وغير ذلك ، فقال : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ).
يتّضح من هذه الآية بجلاء أن كل ما عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من علم ، وكل ما فعله كان بوحي من السماء ، وإنّه لم يكن يفعل شيئا باجتهاده ولا بالعمل بالقياس ولا بأي شيء آخر كما يرى بعض ـ وإنّما كان يتبع الوحي في كل أمر من أمور الدين.
وفي الختام يؤمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ يقول لهم : هل يمكن للذين يغمضون أعينهم ويغلقون عقولهم فلا يفكرون أن ينظر إليهم على قدم المساواة مع الذين يرون الحقائق جيدا ويتفهمونها؟ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ).
إنّ ذكر هذه الجملة في أعقاب الجملات الثلاث السابقة قد يكون لأنّ رسولاللهصلىاللهعليهوآلهوسلم سبق أن قال : (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) و (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) و (لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) بل (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) ، ولكن هذا كلّه لا يعني إنّني مثلكم ، أيّها المشركون ، بل أنا إنسان بصير بالواقع بينما المشرك أشبه بالأعمى ، فهل يستويان؟
ثمّة احتمال آخر لربط هذه الجمل ، وهو أن الأدلة والبراهين على التوحيد