معيشتهم والوصول إلى لقمة العيش.
فيرد القرآن على ذلك مبينا أنّنا حتى لو فرضنا أنّهم كذلك ، فان حسابهم على الله ، ما دام هؤلاء قد آمنوا وأصبحوا في صفوف المسلمين ، فلا يجوز طردهم بأي ثمن ، وبهذا يقف في وجه إحتجاج أشراف قريش.
وشاهد هذا التّفسير ما جاء في حكاية النّبي نوح عليهالسلام التي تشبه حكاية أشراف قريش ، فأولئك كانوا يقولون لنوح : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) فيرد عليهم نوح قائلا : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ، وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (١).
من هنا يجب على الأنبياء أن يتقبلوا كل امرئ يظهر الإيمان بدون أي تمييز ومن أية طبقة كان فكيف بالمؤمنين الأطهار الذين لا يريدون إلّا وجه الله ، وكل ذنبهم هو أنّهم فقراء صفر اليدين من الثروة ، ولم يتلوثوا بالحياة الدنيئة لطبقة الأشراف!
امتياز كبير للإسلام :
إنّنا نعلم أنّ دائرة صلاحيات رجال الدين المسيحيين المعاصرين قد اتسعت اتساعا مضحكا بحيث إنّهم أعطوا أنفسهم حق غفران الذنوب ، فبإمكانهم طرد الأشخاص وتكفيرهم أو قبولهم لأتفه الأمور.
إلّا أنّ القرآن ، في هذه الآية وفي آيات أخرى ينفي صراحة أن يكون لأحد الحقّ ، بل ولا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه في أن يطرد أحدا أظهر إيمانه ولم يفعل ما يوجب إخراجه من الإسلام ، وأن غفران الذنوب والحساب بيد الله وحده ، ولا يحق لأحد التدخل في هذا أبدا.
والكلام هنا على «الطرد الديني» لا «الطرد الحقوقي» فلو كانت إحدى
__________________
(١) الشعراء ، الآيات ١١١ ـ ١١٤.