بحوث
هنا أيضا لا بدّ من الإشارة إلى بعض النقاط :
١ ـ هنالك اختلاف بين المفسّرين بشأن المقصود من العذاب من فوق ومن تحت ، ويظهر أنّ لهاتين الكلمتين معاني واسعة ، فهما تشملان الجهتين الماديتين من السماء ومن الأرض كالصواعق والأمطار الغزيرة والعواصف المدمّرة التي يأتي من فوق ، والزلازل والانشقاقات الأرضية المدمرة وفيضانات الأنهر والبحار من تحت.
كذلك تشمل الآلام والمصائب التي ينزلها بعض الحكام والطبقات المتسلطة في المجتمع على رؤوس الشعوب ، وكذلك الآلام والعذاب الذي يسببه بعض الموظّفين الذين لا يعرفون واجبهم للناس ممّا قد لا يقل عما يسببه الحكام والطّبقات العليا من المجتمع.
وكذلك يحتمل أن تشمل أسلحة الحرب المخيفة في عصرنا التي تبيد حياة البشر بشكل وحشي من الأرض والجو ، وتحيل المدن خلال مدّة قصيرة إلى ركام وانقاض عن طريق القصف الجوي والهجوم الأرضي وزرع الألغام والغواصات المدمّرة داخل البحار.
٢ ـ «يلبسكم» من «اللبس» بفتح اللام بمعنى الاختلاط والامتزاج ، لا من «اللبس» بضم اللام بمعنى ارتداء الملابس ، وعلى ذلك يكون معنى الآية : إنّه قادر على أن يجعل منكم جماعات مختلفة تختلط بعض ببعض.
يستنتج من هذا التعبير أنّ مسألة اختلاف الكلمة والتفرق في المجتمع لا تقل خطورتها عن العذاب السماوي والصواعق والزلازل ، وهو في الحقيقة كذلك ، بل قد يكون الخراب الناشئ من اختلاف الكلمة والتفرق أحيانا أشد وطأة ودمارا من الزلازل والصواعق ، كثيرا ما نلاحظ أنّ دولا عامرة يصيبها الفناء بسبب النفاق والتفرقة ، وهذه الكلمة تحذير لجميع مسلمي العالم!